قَيَّدَ بِالْكَذَبَةِ. نَعَمْ، لَوْ قَالَ: احْتَرِزُوا مِنْ كُلِّ نَبِيٍّ يَجِيءُ بَعْدِي، لَكَانَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَجْهٌ لِلتَّمَسُّكِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبَ التَّأْوِيلِ عِنْدَهُمْ لِثُبُوتِ نُبُوَّةِ الْأَشْخَاصِ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ ظَهَرَ الْأَنْبِيَاءُ الْكَذَبَةُ الْكَثِيرُونَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى بَعْدَ صُعُودِهِ، كَمَا يَظْهَرُ مِنَ الرَّسَائِلِ
الْمَوْجُودَةِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنَ الرِّسَالَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَهْلِ فورنيثوس هَكَذَا ١٢ (وَلَكِنْ مَا أَفْعَلُهُ سَأَفْعَلُهُ لِأَقْطَعَ فُرْصَةَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ فُرْصَةً كَيْ يُوجَدُوا كَمَا نَحْنُ أَيْضًا فِيمَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ) ١٣ (لِأَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ رُسُلٌ كَذَبَةٌ فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ) فَمُقَدِّسُهُمْ يُنَادِي بِأَعْلَى نِدَاءٍ أَنَّ الرُّسُلَ الْكَذَبَةَ الْغَدَّارِينَ ظَهَرُوا فِي عَهْدِهِ وَقَدْ تَشَبَّهُوا بِرُسُلِ الْمَسِيحِ.
وَقَالَ آدمُ كلارك الْمُفَسِّرُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ (هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصُ كَانُوا يَدَّعُونَ كَذِبًا أَنَّهُمْ رُسُلُ الْمَسِيحِ، وَمَا كَانُوا رُسُلَ الْمَسِيحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَانُوا يَعِظُونَ وَيَجْتَهِدُونَ لَكِنْ مَقْصُودَهُمْ مَا كَانَ إِلَّا جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ) وَفِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنَ الرِّسَالَةِ الْأُولَى لِيُوحَنَّا هَكَذَا (أَيُّهَا الْأَحْبَابُ لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ بَلِ امْتَحِنُوا الْأَرْوَاحَ هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْكَذَبَةَ كَثِيرُونَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالِمِ) فَظَهَرَ مِنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْكَذَبَةَ قَدْ ظَهَرُوا فِي عَهْدِ الْحَوَارِيِّينَ. وَفِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الْأَعْمَالِ هَكَذَا ٩ (وَكَانَ قُبُلًا فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ قَائِلًا إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ) ١٠ (وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتَّبِعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةِ) وَفِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ هَكَذَا (وَلَمَّا اجْتَازَا الْجَزِيرَةَ إِلَى بَاقُوسَ وَجَدَا رَجُلًا سَاحِرًا نَبِيًّا كَذَّابًا يَهُودِيًّا اسْمُهُ باريشوع) وَكَذَا سَيَظْهَرُ الدَّجَّالُونَ الْكَذَّابُونَ يَدَّعِي كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْمَسِيحُ، كَمَا أَخْبَرَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَقَالَ: لَا يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ) كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى. فَمَقْصُودُ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّحْذِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ وَالْمُسَحَاءِ الْكَذَبَةِ لَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الصَّادِقِينَ أَيْضًا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ (مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا) وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الصَّادِقِينَ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ ثِمَارُهُ عَلَى مَا عَرَفْتُ فِي الْمَسَالِكِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَا اعْتِبَارَ لِمَطَاعِنِ الْمُنْكِرِينَ كَمَا سَتَعْرِفُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْيَهُودَ يُنْكِرُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَيُكَذِّبُونَهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ أَشَرُّ مِنْهُ مِنِ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى
زَمَانِ خُرُوجِهِ، وَكَذَا أُلُوفٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَبْنَاءِ صِنْفِ الْقِسِّيسِينَ وَكَانُوا مَسِيحِيِّينَ ثُمَّ خَرَجُوا عَنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ لِاسْتِقْبَاحِهِمْ إِيَّاهَا يُنْكِرُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَبِمِلَّتِهِ وَأَلَّفُوا رَسَائِلَ كَثِيرَةً لِإِثْبَاتِ آرَائِهِمْ وَاشْتَهَرَتْ هَذِهِ الرَّسَائِلُ فِي أَكْنَافِ الْعَالَمِ وَيَزِيدُ مُتَّبِعُوهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي دِيَارِ أُورُبَّا، فَكَمَا أَنَّ إِنْكَارَ الْيَهُودِ هَؤُلَاءِ الْحُكَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute