للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا اعْتَبَرْتَهَا وَجَدْتَهَا دَالَّةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بِتَعْرِيضٍ هُوَ عِنْدَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ جَلِيٌّ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ خَفِيٌّ. انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ.

(الْأَمْرُ الثَّالِثُ)

ادِّعَاءُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مَا كَانُوا يَنْتَظِرُونَ نَبِيًّا آخَرَ غَيْرَ الْمَسِيحِ وَإِيلِيَا ادِّعَاءٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، بَلْ كَانُوا مُنْتَظِرِينَ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا، لِمَا عَلِمْتَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي أَنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ الْمُعَاصِرِينَ لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلُوا يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوَّلًا: أَنْتَ الْمَسِيحُ؟ وَلَمَّا أَنْكَرَ سَأَلُوهُ: أَنْتَ إِيلِيَا؟ وَلِمَا أَنْكَرَ سَأَلُوهُ: أَنْتَ النَّبِيُّ؟ أَيِ النَّبِيُّ الْمَعْهُودُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ مُوسَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ كَانَ مُنْتَظَرًا مِثْلَ الْمَسِيحِ وَإِيلِيَا، وَكَانَ مَشْهُورًا بِحَيْثُ مَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذِكْرِ الِاسْمِ بَلِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ كَانَتْ

كَافِيَةً، وَفِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَكَذَا ٤٠ (فَكَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ قَالُوا: هَذَا بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّبِيُّ) ٤١ (وَآخَرُونَ قَالُوا: هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ) وَظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ الْمَعْهُودَ عِنْدَهُمْ كَانَ غَيْرَ الْمَسِيحِ، وَلِذَلِكَ قَابَلُوهُ بِالْمَسِيحِ.

(الْأَمْرُ الرَّابِعُ) ادِّعَاءُ أَنَّ الْمَسِيحَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ بَاطِلٌ، لِمَا عَرَفْتَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنْتَظِرِينَ لِلنَّبِيِّ الْمَعْهُودِ الْآخَرِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرَ الْمَسِيحِ وَإِيلِيَا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبُرْهَانِ مَجِيئُهُ قَبْلَ الْمَسِيحِ فَهُوَ بَعْدُهُ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِنُبُوَّةِ الْحَوَارِيِّينَ وَبُولَسَ، بَلْ بِنُبُوَّةِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا، وَفِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الْأَعْمَالِ هَكَذَا ٢٧ (وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ انْحَدَرَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ أُورْشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ) ٢٨ (وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسَ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعًا عَظِيمًا كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ فِي أَيَّامِ كَلَوِدْيُوسَ قَيْصَرَ) فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ عَلَى تَصْرِيحِ إِنْجِيلِهِمْ. وَأَخْبَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ عَنْ وُقُوعِ الْجَدْبِ الْعَظِيمِ، وَفِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ هَكَذَا ١٠ (وَبَيْنَمَا نَحْنُ مُقِيمُونَ أَيَّامًا كَثِيرَةً انْحَدَرَ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَغَابُوسُ ١١) فَجَاءَ إِلَيْنَا وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولَسَ وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ. هَكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورْشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الْأُمَمِ) وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْضًا تَصْرِيحٌ بِكَوْنِ أَغَابُوسَ نَبِيًّا، وَقَدْ يَتَمَسَّكُونَ لِإِثْبَاتِ هَذَا الِادِّعَاءِ بِقَوْلِ الْمَسِيحِ الْمَنْقُولِ فِي الْآيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا (احْتَرِزُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثَبَاتِ الْحُمْلَانِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ) وَالتَّمَسُّكُ بِهِ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِالِاحْتِرَازِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ لَا الْأَنْبِيَاءِ الصَّدَقَةِ أَيْضًا؛ وَلِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>