وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ فِي الْأَمْرَيْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ، فَالَّذِينَ مَنَعُوا مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ هُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي خَرَابِهَا هُمْ مُشْرِكُو الرُّومَانِيِّينَ.
وَيَكُونُ قَرْنُ مَا عَمِلَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَنْعِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ اسْمُ اللهِ بِزِيَارَةِ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ بِمَا عَمِلَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الرُّومَانِيِّينَ مِنَ التَّخْرِيبِ مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ إِلَى تَسَاوِي الْفِعْلَيْنِ فِي الْقَبِيحِ.
(الثَّالِثُ) : أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مُنْبِئَةً بِأَمْرٍ وَقَعَ،
وَلَكِنْ بِأَمْرٍ سَيَقَعُ، وَهُوَ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ إِغَارَةِ الصَّلِيبِيِّينَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَغَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَصَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَتَخْرِيبِهِمْ كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ.
(الرَّابِعُ) : وَهُوَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُنْبِئَةٌ عَنْ أَمْرٍ سَيَقَعُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَادِثَةُ (الْقَرَامِطَةِ) الَّذِينَ هَدَمُوا الْكَعْبَةَ وَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَهَدَمُوا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ، كَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي طَعْنِ الْيَهُودِ مِنْهُمْ بِالنَّصَارَى وَقَوْلِهِمْ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَطَعْنِ النَّصَارَى فِي الْيَهُودِ كَذَلِكَ، وَبَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ: إِنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا سَيَقَعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْبَأَ اللهُ - تَعَالَى - بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ فَوَقَعَتْ، وَكَانَتْ حَادِثَتُهُمْ مِنْ أَكْبَرِ الْأَحْدَاثِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمُ اسْتَوْلَوْا عَلَى جُزْءٍ كَبِيرٍ مِنْ مَمَالِكِ الْإِسْلَامِ وَهَدَمُوا الْمَسَاجِدَ، وَعَاثُوا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلَى طُولِهَا مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ مِثْلَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ (الْقَرَامِطَةِ) فَالْآيَاتُ عَلَى هَذَا مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ جَمِيعِ الْمِلَلِ.
(قَالَ شَيْخُنَا) : سَوَاءً كَانَتِ الْآيَةُ فِي حَادِثَةٍ وَاقِعَةٍ أَوْ مُنْتَظَرَةٍ أَوْ كَانَتْ وَعِيدًا لِلَّذِينِ لَا يَحْتَرِمُونَ الْمَعَابِدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، هِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ نَاطِقَةٌ بِوُجُوبِ احْتِرَامِ كُلِّ مَعْبَدٍ يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللهِ - تَعَالَى - بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَبِتَحْرِيمِ السَّعْيِ فِي خَرَابِ الْمَعَابِدِ، وَبِالْحُكْمِ عَلَى الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْهَا وَيَسْعَوْنَ فِي خَرَابِهَا - أَيْ هَدْمِهَا أَوْ تَعْطِيلِ شَعَائِرِهَا وَمَنْعِ عِبَادَةِ اللهِ فِيهَا - بِكَوْنِهِمْ أَظْلَمَ النَّاسِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنِ اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ - تَعَالَى -، وَإِبْطَالَ شَعَائِرِ الْمَعَابِدِ الَّتِي تُذَكِّرُ بِهِ، وَتُشْعِرُ الْقُلُوبَ عَظَمَتَهُ انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الدِّينِ يُفْضِي إِلَى نِسْيَانِ النَّاسِ الرَّقِيبَ الْمُهَيْمِنَ عَلَيْهِمْ، فَيُمْسُونَ كَالْهُمْلِ وَتَفْشُو فِيهِمُ الْمُنْكَرَاتُ وَالْفَوَاحِشُ، وَانْتِهَاكُ الْحُرُمَاتِ، وَهَضْمُ الْحُقُوقِ، وَسَفْكُ الدِّمَاءِ. وَعِبَادَةُ اللهِ - تَعَالَى - بِذِكْرِهِ وَالصَّلَاةُ لَهُ تَنْهَيْ بِطَبِيعَتِهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا عَسَاهُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوْ يُوجَدُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الْكِتَابُ، فَمَنْ عَلِمَ بِهَذِهِ الْبِدَعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْكِرَهَا وَيَسْعَى فِي إِزَالَتِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّعْيُ فِي إِزَالَةِ الْمَعَابِدِ مِنَ الْأَرْضِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ السِّرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute