للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُمِّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ بِكَثِيرٍ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ هُوَ الرُّوحُ النَّازِلُ يَوْمَ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِوَعْدِ الْأَبِ هُوَ الْفَارَقْلِيطُ.

أَقُولُ: الِادِّعَاءُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْعِدِ الْأَبِ هُوَ الْفَارَقْلِيطُ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ، بَلْ هُوَ غَلَطٌ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا، وَقَدْ عَرَّفْتُهَا، بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْأَخْبَارَ عَنِ الْفَارَقْلِيطِ شَيْءٌ وَالْوَعْدَ بِإِنْزَالِ الرُّوحِ عَلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى شَيْءٌ آخَرُ. وَقَدْ وَفَّى اللهُ بِالْوَعْدَيْنِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنِ الْوَعْدِ الْأَوَّلِ بِمَجِيءِ الْفَارَقْلِيطِ، وَهَاهُنَا بِمَوْعِدِ الْأَبِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ يُوحَنَّا نَقَلَ بِشَارَةَ الْفَارَقْلِيطِ، وَلَمْ يَنْقُلْهَا الْإِنْجِلِيُّونَ الْبَاقُونَ - وَلُوقَا نَقَلَ مَوْعِدَ نُزُولِ الرُّوحِ الَّذِي نَزَلَ يَوْمَ الدَّارِ، وَلَمْ يَقُلْهُ يُوحَنَّا. وَلَا بَأْسَ فِيهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَتَّفِقُونَ فِي نَقْلِ الْأَقْوَالِ الْخَسِيسَةِ، كَرُكُوبِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْحِمَارِ وَقْتَ الذَّهَابِ إِلَى أُورْشَلِيمَ، اتَّفَقَ عَلَى نَقْلِهِ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ يَتَخَالَفُونَ فِي نَقْلِ الْأَحْوَالِ الْعَظِيمَةِ، أَلَّا تَرَى أَنَّ لُوقَا انْفَرَدَ بِذِكْرِ إِحْيَاءِ ابْنِ الْأَرْمَلَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ فِي نَايِينَ، وَبِذِكْرِ إِرْسَالِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَبْعِينَ تِلْمِيذًا، وَبِذِكْرِ إِبْرَاءِ عَشَرَةِ بُرْصٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْحَالَاتِ أَحَدٌ مِنَ الْإِنْجِيلِيِّينَ، مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْحَالَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَأَنَّ يُوحَنَّا انْفَرَدَ بِذِكْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَظَهَرَ مِنْ يَسُوعَ فِي مُعْجِزَةِ تَحْوِيلِ الْمَاءِ خَمْرًا، وَهَذِهِ الْمُعْجِزَةُ أَوَّلُ مُعْجِزَاتِهِ، وَسَبَبُ ظُهُورِ مَجْدِهِ وَإِيمَانِ التَّلَامِيذِ بِهِ، وَيَذْكُرُ إِبْرَاءَ السَّقِيمِ فِي بَيْتِ صَيْدَا فِي أُورْشَلِيمَ، وَهَذِهِ أَيْضًا مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْمَرِيضُ كَانَ مَرِيضًا مِنْ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَيَذْكُرُ قِصَّةَ امْرَأَةٍ أُخِذَتْ فِي زِنَا، وَيَذْكُرُ إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ، وَهَذَا أَيْضًا مَنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ، وَهِيَ مُصَرَّحَةٌ بِهِمَا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَبِذِكْرِ إِحْيَاءِ الْعَازَارِ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنَ الْإِنْجِلِيِّينَ، مَعَ أَنَّهَا حَالَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَهَكَذَا حَالُ مَتَّى وَمُرْقُصَ، فَإِنَّهُمَا انْفَرَدَا بِذِكْرِ بَعْضِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْحَالَاتِ الَّتِي لَمَّ يَذْكُرْهُمَا غَيْرُهُمَا، وَإِذَا طَالَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْبِشَارَاتِ الَّتِي نَقَلْتُهَا عَنْ كُتُبِهِمُ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُمْ فِي زَمَانِنَا اهـ.

بِشَارَةُ إِنْجِيلِ بِرْنَابَا.

ذَكَرَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللهِ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُعْنَ بِإِيرَادِ الْبِشَارَاتِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي يَعُدُّهَا أَهْلُ الْكِتَابِ غَيْرَ قَانُونِيَّةٍ إِلَّا بِشَارَةَ إِنْجِيلِ بِرْنَابَا، وَقَدْ نَقَلَهَا عَنْ مُقَدِّمَةِ تَرْجَمَةِ الْقِسِّيسِ سايل الْإِنْكِلِيزِيِّ لِلْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَهَذِهِ تَرْجَمَتُهَا: (اعْلَمْ يَا بِرْنَابَا أَنَّ الذَّنْبَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا يَجْزِي اللهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللهَ غَيْرُ رَاضٍ

عَنِ الذَّنْبِ، وَلَمَّا اكْتَسَبَ أُمِّي وَتَلَامِيذِي لِأَجْلِ الدُّنْيَا سَخِطَ اللهُ لِأَجْلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَرَادَ بِاقْتِضَاءِ عَدْلِهِ أَنْ يَجْزِيَهُمْ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ غَيْرِ اللَّائِقَةِ لِيَحْصُلَ لَهُمُ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَذِيَّةٌ هُنَاكَ، وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ بَرِيًّا لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَمَّا قَالُوا فِي حَقِّي إِنَّهُ اللهُ وَابْنُ اللهِ كَرِهَ اللهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَاقْتَضَتْ مَشِيئَتُهُ أَلَّا تَضْحَكَ الشَّيَاطِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>