للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَسْتَهْزِئُونَ بِي، فَأَرَادَ بِمُقْتَضَى لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ يَكُونَ الضَّحِكُ وَالِاسْتِهْزَاءُ فِي الدُّنْيَا بِسَبَبِ مَوْتِ يَهُوذَا، وَيَظُنُّ كُلُّ شَخْصٍ أَنِّي صُلِبْتُ، لَكِنَّ هَذِهِ الْإِهَانَةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ تَبْقَيَانِ إِلَى أَنْ يَجِيءَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا جَاءَ فِي الدُّنْيَا يُنَبِّهُ كُلَّ مُؤْمِنٍ عَلَى هَذَا الْغَلَطِ وَتَرْتَفِعُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ " تَرْجَمَةُ كَلَامِهِ.

أَقُولُ: هَذِهِ الْبِشَارَةُ عَظِيمَةٌ وَإِنِ اعْتَرَضُوا بِأَنَّ هَذَا الْإِنْجِيلَ رَدَّهُ مَجَالِسُ عُلَمَائِنَا السَّلَفِ أَقُولُ: لَا اعْتِبَارَ لِرَدِّهِمْ وَقَبُولِهِمْ كَمَا عَلِمْتَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا الْإِنْجِيلُ مِنَ الْأَنَاجِيلِ الْقَدِيمَةِ، وَيُوجَدُ ذِكْرُهُ فِي كُتُبِ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَعَلَى هَذَا كُتِبَ هَذَا الْإِنْجِيلُ قَبْلَ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِائَتَيْ سَنَةٍ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُخْبِرَ بِغَيْرِ الْإِلْهَامِ بِمِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَإِنْ قَالُوا إِنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَّفَ هَذَا الْإِنْجِيلَ بَعْدَ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا الْتَفَتُوا إِلَى هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا فَكَيْفَ إِلَى إِنْجِيلِ بِرْنَابَا، وَيَبْعُدُ أَنْ يُؤَثِّرَ تَحْرِيفُ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي إِنْجِيلِ بِرْنَابَا تَأْثِيرًا تُغَيَّرُ بِهِ النُّسَخُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْمَسِيحِيِّينَ أَيْضًا وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا نَقَلُوا عَنْ كُتُبِ الْعَهْدَيْنِ الْبِشَارَاتِ الْمُحَمَّدِيَّةَ وَحَرَّفُوهَا فَعَلَى زَعْمِهِمْ أَقُولُ إِنَّ

هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءَ الْكِبَارَ حَرَّفُوا عَلَى زَعْمِهِمْ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ تَحْرِيفُهُمْ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُمْ فِي مَوَاضِعِ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ، فَكَيْفَ أَثَّرَ تَحْرِيفُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي إِنْجِيلِ بِرْنَابَا فِي النُّسَخِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ؟ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ وَاهٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاجِبُ الرَّدِّ اهـ.

وَقَدْ خَتَمَ الشَّيْخُ (رَحْمَةُ اللهِ) - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْبِشَارَاتِ بِتَنْبِيهٍ ذَكَّرَ فِيهِ الْقَارِئَ بِمَا بَيَّنَهُ مُفَصَّلًا مِنِ اخْتِلَافِ النَّصَارَى فِي تَرْجَمَةِ كُتُبِهِمْ وَالتَّغْيِيرِ فِيهَا زَمَنًا بَعْدَ زَمَنٍ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ وَرَآهُ مُخَالِفًا لِغَيْرِ التَّرْجَمَاتِ الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا أَنَّهُ هُوَ الْمُخْطِئُ فِيمَا نَقَلَهُ، وَهَذَا مَشْهُورٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهُ.

بَعْدَ هَذَا أَقُولُ: إِنَّ الشَّيْخَ رَحْمَةَ اللهِ لَمْ يَرَ إِنْجِيلَ بِرْنَابَا وَإِنَّمَا نَقَلَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ مِنْ مُقَدَّمَةِ سايل الْمُسْتَشْرِقِ الْإِنْجِلِيزِيِّ لِتَرْجَمَتِهِ لِلْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَسَايل هَذَا قَدِ اطَّلَعَ عَلَى إِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>