للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرْآنِ الْغَرِيبِ - وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الدَّعْوَةَ

إِلَى الْإِيمَانِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَلِ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَيْ: فَآمَنُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ بِاللهِ الْوَاحِدِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ الَّذِي يُحْيِي كُلَّ مَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ فِي الْعَالَمِ، وَيُمِيتُ كُلَّ مَا يَعْرِضُ لَهُ الْمَوْتُ بَعْدَ الْحَيَاةِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ فَتُشَاهِدُونَهُ، وَمَثَلُهُ الْبَعْثُ الْعَامُّ بَعْدَ الْمَوْتِ الْعَامِّ وَخَرَابِ هَذَا الْعَالِمِ، وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقِ الْمُمْتَازِ بِأَنَّهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي بَعَثَهُ فِي الْأُمِّيِّينَ (الْعَرَبِ) رَسُولًا إِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُطَهِّرُهُمْ مِنْ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَالرَّذَائِلِ وَالْجَهْلِ وَالتَّفَرُّقِ وَالتَّعَادِي بِعَصَبِيَّاتِ الْأَجْنَاسِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَوْطَانِ ; لِيَكُونُوا بِهِدَايَتِهِ أُمَّةً وَاحِدَةً يَتَحَقَّقُ بِهَا الْإِخَاءُ الْبَشَرِيُّ الْعَامُّ، وَقَدْ بَشَّرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ الْكِرَامُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ; لِأَنَّهُ الْمُتِمُّ الْمُكَمِّلُ لِمَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ هِدَايَةِ الْأَقْوَامِ، وَأُمِّيَّتُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ، وَأَيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى الرِّسَالَةِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيمِ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا لِجَمِيعِ الْأُمَمِ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ؟ ! .

الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ أَيْ: يُؤْمِنُ بِمَا يَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وَكَلِمَاتِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا لِهِدَايَةِ خَلْقِهِ، وَهِيَ مَظْهَرُ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَكَلِمَاتِهِ التَّكْوِينِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ إِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَبَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالْإِيمَانِ أَمَرَهُمْ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أَيْ: وَاتَّبِعُوهُ بِالْإِذْعَانِ الْفِعْلِيِّ لِكُلِّ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِعْلًا وَتَرْكًا، رَجَاءَ اهْتِدَائِكُمْ بِالْإِيمَانِ وَبِاتِّبَاعِهِ لِمَا فِيهِ سَعَادَتُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَثَمَرَةُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ اهْتِدَاءُ صَاحِبِهِمَا وَوُصُولِهِ بِالْفِعْلِ لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَدَلِيلُهُ الْفِعْلِيُّ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ مَا آمَنَ قَوْمٌ بِنَبِيٍّ إِلَّا وَكَانُوا بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ خَيْرًا مِمَّا كَانُوا قَبْلَهُ مِنْ هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ فِي دُنْيَاهُمْ، وَأَظْهَرُ التَّوَارِيخِ وَأَقْرَبُهَا عَهْدًا تَارِيخُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يَصِلَ بِهِمُ الْجَهْلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى تَرْكِ هَذِهِ الْهِدَايَةِ الَّتِي نَالُوا بِهَا الْمُلْكَ الْعَظِيمَ وَالْعِزَّ وَالسُّؤْدُدَ وَالْغِنَى وَالْحَضَارَةَ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنْ يَزُولَ الْمَعْلُولُ بِزَوَالٍ عِلَّتِهِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ فَيَعُودُوا إِلَيْهِ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَيْنِ أَنْ يَصِلَ بِهِمُ الْجَهْلُ إِلَى أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّ هِدَايَةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي سَعِدُوا بِهَا ثُمَّ شَقُوا بِتَرْكِهَا هِيَ سَبَبُ هَذَا الشَّقَاءِ الْأَخِيرِ لَا تَرْكَهَا.

(فَصْلٌ فِي مَعْنَى اتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَمَوْضُوعِهِ وَلَوَازِمِهِ)

قَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: وَاتَّبِعُوهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ فَتِلْكَ فِي اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ خَاصَّةً، وَهَذِهِ تَشْمَلُ اتِّبَاعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَأَذِنَ لَهُ بِهِ، وَاتِّبَاعَهُ فِي اجْتِهَادِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>