للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتِنْبَاطِهِ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ تَشْرِيعًا - كَتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَنْصُوصِ فِي الْقُرْآنِ - وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اتِّبَاعُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْعَادَاتِ كَحَدِيثِ: كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ طَيِّبٌ مُبَارَكٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ غَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ، وَحَدِيثُ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ إِلَخْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ وَصَحَّحُوهُ ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الْعَادَاتِ الَّتِي لَا قُرْبَةَ فِيهَا وَلَا حُقُوقَ تَقْتَضِي التَّشْرِيعَ بِخِلَافِ حَدِيثِ: كُلُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ وَادَّخِرُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْأَضَاحِيَّ مِنَ النُّسُكِ وَالْأَكْلَ مِنْهَا سُنَّةٌ فَأَمَرَ الْمُضَحِّيَ بِهِ لِلنَّدْبِ، وَادِّخَارُهَا جَائِزٌ لَهُ، لَوْلَا الْأَمْرُ بِهِ لَظُنَّ تَحْرِيمُهُ أَوْ كَرَاهَتُهُ لِعَلَاقَةِ الْأَضَاحِيِّ بِالْعِيدِ فَهِيَ ضِيَافَةُ اللهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، فَالتَّشْرِيعُ إِمَّا عِبَادَةٌ أُمِرْنَا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِهَا وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، وَإِمَّا مَفْسَدَةٌ نُهِينَا عَنْهَا اتِّقَاءً لِضَرَرِهَا فِي الدِّينِ كَدُعَاءِ غَيْرِ اللهِ فِيمَا لَيْسَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَعَاوَنُ عَلَيْهَا النَّاسُ، وَكَأَكْلٍ الْمَذْبُوحِ لِغَيْرِ اللهِ وَتَعْظِيمِ غَيْرِ اللهِ بِمَا شَرَعَ تَعْظِيمَ اللهِ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ لَهُ وَالْحَلِفِ بِاسْمِهِ - أَوْ لِضَرَرِهَا فِي الْعَقْلِ أَوِ الْجِسْمِ أَوِ الْمَالِ أَوِ الْعِرْضِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ - وَإِمَّا حُقُوقٌ مَادِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ أُمِرْنَا بِأَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا كَالْمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَاتِ وَمُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ أُمِرْنَا بِالْتِزَامِهَا لِضَبْطِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، وَبِإِدْخَالِ حُكْمِ الِاسْتِحْبَابِ وَحُكْمِ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي التَّشْرِيعِ تَتَّسِعُ أَحْكَامُهُ فِي أُمُورِ الْعَادَاتِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي:.

لَيْسَ مِنَ التَّشْرِيعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللهِ تَعَالَى، وَلَا لِخَلْقِهِ لَا جَلْبُ مَصْلَحَةٍ وَلَا دَفْعُ مَفْسَدَةٍ كَالْعَادَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالزِّرَاعَةِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّجَارِبِ وَالْبَحْثِ، وَمَا يَرِدُ فِيهَا مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ إِرْشَادًا لَا تَشْرِيعًا إِلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَعِيدٌ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ

وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ أَنَّ إِنْكَارَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِبَعْضِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّجَارِبِ لِلتَّشْرِيعِ كَتَلْقِيحِ النَّخْلِ فَامْتَنَعُوا عَنْهُ فَأَشَاصَ (خَرَجَ ثَمَرُهُ شِيصًا أَيْ رَدِيئًا أَوْ يَابِسًا) فَرَاجَعُوهُ فِي ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ عَنْ ظَنٍّ وَرَأْيٍ لَا عَنِ التَّشْرِيعِ، وَقَالَ لَهُمْ: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ " وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَحِكْمَتُهُ تَنْبِيهُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمَعَاشِيَّةِ كَالزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لِذَاتِهَا تَشْرِيعٌ خَاصٌّ بَلْ هِيَ مَتْرُوكَةٌ إِلَى مَعَارِفَ النَّاسِ وَتَجَارِبِهِمْ.

وَكَانُوا يُرَاجِعُونَهُ أَيْضًا فِيمَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ أَهْوَ مِنْ رَأْيِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَاجْتِهَادِهِ الدُّنْيَوِيِّ أَوْ بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى؟ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشْرِيعًا كَسُؤَالِهِ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِلنُّزُولِ فِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَهَذَا مُنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا مُتَقَدَّمٌ عَنْهُ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>