للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِمَا مَعًا، وَإِلَّا لَقَالَ " أَوِ الْكَتَمُ "، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ مَعًا، إِنَّهُ أَسْوَدُ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ أَيْ لَيْسَ حَالِكًا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَكُونُ شَدِيدَ السَّوَادِ إِذَا كَانَ قَوِيًّا مُشَبَّعًا، وَيَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ إِذَا كَانَ خَفِيفًا، وَهُوَ أَسْوَدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سَبَبَ أَمْرِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِاجْتِنَابِ السَّوَادِ فِي تَغْيِيرِ شَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْهُ لِشَيْخٍ بَلَغَ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا، وَكَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ كَالثَّغَامَةِ فِي شِدَّةِ بَيَاضِهِ كُلِّهِ، وَمَنْ رَجَعَ إِلَى ذَوْقِ الْبَشَرِ الْعَامِّ أَدْرَكَ أَنَّ السَّوَادَ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَخْضِبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَفَضَ الْوَجْهُ وَالْأَسْنَانُ تَرَكْنَاهُ اهـ. وَلِمِثْلِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إِنَّ وَقَائِعَ الْأَعْيَانِ لَا عُمُومَ لَهَا. وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: أَنَّ الَّذِينَ أَجَازُوا الصَّبْغَ بِالسَّوَادِ تَمَسَّكُوا بِالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِتَغْيِيرِهِ مُخَالَفَةً لِلْأَعَاجِمِ (وَقَالَ) وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ (أَيْ مِنَ الصَّحَابَةِ) أَقُولُ: وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ

الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ جَزْمِهِ هُوَ بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمُ السَّوَادِ مَا نَصُّهُ:

" وَقَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْخِضَابِ وَفِي جِنْسِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُ الْخِضَابِ أَفْضَلُ. وَرَوَوْا حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ، وَلِأَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْبَهُ، رُويَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيٍّ وَآخَرِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْخِضَابُ أَفْضَلُ، وَخَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُونَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَخَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ، وَخَضَبَ جَمَاعَةٌ بِالسَّوَادِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بُرْدَةَ وَآخَرِينَ (قَالَ الْقَاضِي) قَالَ الطَّبَرَانِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ، بَلِ الْأَمْرِ بِالتَّغْيِيرِ لِمَنْ شَيْبُهُ كَشَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ، وَالنَّهْيِ لِمَنْ لَهُ شَمَطٌ فَقَطْ (قَالَ) : وَاخْتِلَافُ السَّلَفِ فِي فِعْلِ الْأَمْرَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ ; وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ خِلَافَهُ فِي ذَلِكَ. (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِمَا نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>