للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَجَمِيعِ الْمُبَاحَثَاتِ الَّتِي دَارَتْ بِشَأْنِ تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمَجِيدِ لَمْ تَرْسِ عَلَى نَتِيجَةٍ، وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ تَرْجَمَتَهُ بِالتَّمَامِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ لِإِعْجَازِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ الْكَلِمَاتِ لَا يُوجَدُ لَهَا مُقَابِلٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي يُتَرْجِمُ إِلَيْهَا، فَيَضْطَرُّ الْمُتَرْجِمُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مَعَ شَيْءٍ مِنَ التَّغْيِيرِ. ثُمَّ إِذَا نُقِلَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى يَحْدُثُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ التَّغْيِيرِ أَيْضًا وَهَلُمَّ جَرًّا، فَيُخْشَى مِنْ هَذَا أَنْ يُفْتَحَ طَرِيقٌ لِتَحْرِيفِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرِهِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ كَلِمَاتِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ

يُسْتَخْرِجُ مِنْهَا بَعْضُ إِشَارَاتٍ وَأَحْكَامٍ بِطَرِيقِ الْحِسَابِ، فَإِبْدَالُهَا بِالتَّرْجَمَةِ يَسُدُّ هَذَا الطَّرِيقَ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ سَعْدِي جَلَبِي كَتَبَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ عِنْدَ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّهُ إِذَا أُخْرِجَتِ الْحُرُوفُ الْمُكَرَّرَةُ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ النَّاسِ الَّتِي هِيَ آخَرُ سُورَةٍ تَكُونُ الْحُرُوفُ الْبَاقِيَةُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ: وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مُدَّةِ سِنِيِّ النُّبُوَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ - فَإِذَا تُرْجِمَ الْقُرْآنُ لَا يَبْقَى فِي التَّرْجَمَةِ مِثْلُ هَذِهِ الْفَوَائِدِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ انْتَهَى " مِنْ بَشَائِرِ صِدْقِ نُبُوَّت ".

أَمَّا أُدَبَاؤُنَا مَعْشَرَ التُّرْكِ الرُّوسِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى تَرْجَمَتِهِ وَيَقُولُونَ: لَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ إِلَّا إِيجَابَ بَقَائِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ ; فَلِذَا يَذْهَبُونَ إِلَى وُجُوبِ تَرْجَمَتِهِ، وَهُوَ الْآنُ يُتَرْجِمُ فِي مَدِينَةِ قَزَّانَ، وَتُطْبَعُ تَرْجَمَتَهُ تَدْرِيجًا، وَكَذَلِكَ تَشَبَّثَ بِتَرْجَمَتِهِ إِلَى اللِّسَانِ التُّرْكِيِّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ حَاجِيُّ الْبَاكَوِيُّ أَحَدُ فِدَائِيَّةِ الْقُفْقَازِ، فَنَرْجُو مِنْ حَضْرَةِ الْأُسْتَاذِ التَّدَبُّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

حَرَّرَهُ الْإِمَامُ الْحَقِيرُ أَحْسَنُ شَاه أَحْمَد

الْكَاتِبُ الدِّينِيُّ السَّمَاوِيُّ

(جَوَابُ الْمَنَارِ لَهُ) إِنَّ مِنْ تَقْصِيرِ الْمُسْلِمِينَ فِي نَشْرِ دِينِهِمْ أَلَّا يُبَيِّنُوا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ لِأَهْلِ كُلِّ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ، وَلَوْ بِتَرْجَمَةِ بَعْضِهِ ; لِأَجْلِ دَعْوَةِ مَنْ لَيْسَ مَنْ أَهِلْهُ إِلَيْهِ، وَإِرْشَادِ مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدَرِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّ مَنْ زَلْزَلَ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا إِلَى أُمَمٍ تَكُونُ رَابِطَةُ كُلِّ أُمَّةٍ مِنْهَا جِنْسِيَّةٌ نَسَبِيَّةٌ أَوْ لُغَوِيَّةٌ أَوْ قَانُونِيَّةٌ وَيَهْجُرُوا الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ، الْمُعْجِزِ بِأُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَهِدَايَتِهِ، الْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ، اكْتِفَاءً بِأَفْرَادٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ يُتَرْجِمُونَهُ لَهُمْ بِلُغَتِهِمْ بِحَسْبَ مَا يَفْهَمُ الْمُتَرْجِمُ.

هَذَا الزِّلْزَالُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ جِهَادِ أُورُبَّا السِّيَاسِيِّ وَالْمَدَنِيِّ لِلْمُسْلِمِينَ. زُيِّنَ لَنَا أَنْ نَتَفَرَّقَ وَنَنْقَسِمَ إِلَى أَجْنَاسٍ، ظَانًّا كُلُّ جِنْسٍ مِنَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ حَيَاتَهُ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مَوْتٌ لِلْجَمِيعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>