للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا نُطِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا، وَلَكِنَّنَا نَذْكُرُ شَيْئًا مِمَّا يَخْطُرُ فِي الْبَالِ مِنْ مَفَاسِدِ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) - اسْتِغْنَاءً

عَنْهُ بِتَرْجَمَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ يُغْنِيهِمْ عَنْهَا تَفْسِيرُهُ بِلُغَتِهِمْ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى نَصِّهِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَحْفُوظِ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ - مَعَ مُرَاعَاةِ الِاخْتِصَارِ فَنَقُولُ: (١) إِنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ تَرْجَمَةً حَرْفِيَّةً تُطَابِقَ الْأَصْلِ مُتَعَذِّرَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ، وَالتَّرْجَمَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْمُتَرْجِمِ لِلْقُرْآنِ، أَوْ فَهْمِ مَنْ عَسَاهُ يَعْتَمِدُ هُوَ عَلَى فَهْمِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ هِيَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا هِيَ فَهْمُ رَجُلٍ لِلْقُرْآنِ يُخْطِئُ فِي فَهْمِهِ وَيُصِيبُ، وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ الْمَقْصُودُ الْمُرَادُ مِنَ التَّرْجَمَةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي نُنْكِرُهُ.

(٢) إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ أَسَاسُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ، بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ ; إِذِ السُّنَّةُ لَيْسَتْ دِينًا إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لَهُ، فَالَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِتَرْجَمَتِهِ يَكُونُ دِينُهُمْ مَا فَهِمَهُ مُتَرْجِمُ الْقُرْآنِ لَهُمْ، لَا نَفْسَ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَالِاجْتِهَادُ بِالْقِيَاسِ إِنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنِ النَّصِّ، وَالتَّرْجَمَةُ لَيْسَتْ نَصًّا مِنَ الشَّارِعِ، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْتَنَدٌ وَالتَّرْجَمَةُ لَيْسَتْ مُسْتَنَدًا. فَعَلَى هَذَا لَا يَسْلَمُ لِمَنْ يَجْعَلُونَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ قُرْآنًا شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ.

(٣) إِنَّ الْقُرْآنَ مَنَعَ التَّقْلِيدَ فِي الدِّينِ وَشَنَّعَ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ. فَأَخْذُ الدِّينِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ هُوَ تَقْلِيدٌ لِمُتَرْجِمِهِ، فَهُوَ إِذًا خُرُوجٌ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ لَا اتِّبَاعٌ لَهَا.

(٤) يَلْزَمُ مِنْ هَذَا حِرْمَانُ الْمُقْتَصِرِينَ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِمَّا وَصَفَ اللهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (١٢: ١٠٨) وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَجْعَلُ مِنْ مَزَايَا الْمُسْلِمِ اسْتِعْمَالَ عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ ".

(٥) كَمَا يَلْزَمُ حِرْمَانُهُمْ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَالِيَةِ يَلْزَمُ مَنْعُ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُتَرْجِمِ ; لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهَا مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ مُسْلِمٌ.

(٦) إِنَّ مَنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْقُرْآنِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي فَهْمِهِ كَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَتَارِيخِ الْجِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ الْإِسْلَامُ يَكُونُ مَأْجُورًا بِالْعَمَلِ بِمَا يَفْهَمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ،

وَإِنْ أَخْطَأَ فِي فَهْمِهِ ; لِأَنَّهُ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي الِاهْتِدَاءِ بِمَا أَنْزَلَهُ اللهُ هِدَايَةً لَهُ، كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَصْحَابِهِ فِيمَا فَهِمُوهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ إِذْ عُذِرُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، وَمِثْلُهُ مُعَامَلَتُهُ لَهُمْ فِيمَا فَهِمُوهُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ; وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ أُخْرَى، وَلَا إِخَالُ مُسْلِمًا يَجْعَلُ لِعِبَارَةِ مُتَرْجِمِ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>