للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِنَّ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا عِنْدُ الْعَجْزِ فَلَا فَسَادَ إِذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ كُلَّ لَفْظٍ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا. أَمَّا إِذَا قَرَأَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ فَتَفْسَدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ.

وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْجَصَّاصِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (٧٣: ٢٠) حَيْثُ أَمَرَ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا مَوْضِعَ لِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ، فَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَقَدْ قَرَأَ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ ; لِأَنَّ الْفَارِسِيَّ لَيْسَ قُرْآنًا، وَالْقُرْآنُ هُوَ الْمُنَزَّلُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (١٢: ٢) وَأَيْضًا فَالْقُرْآنُ هُوَ الْمُعْجِزُ، وَالْإِعْجَازُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ يَزُولُ بِزَوَالِ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ فَلَا يَكُونُ الْفَارِسِيُّ قُرْآنًا لِانْعِدَامِ الْإِعْجَازِ ; وَلِهَذَا لَمْ تُحَرَّمْ قِرَاءَتُهُ عَلَى

الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، غَيْرُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَقَدْ عَجَزَ عَنْ مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ مَعْنَاهُ ; لِيَكُونَ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ اهـ - وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَمَعْنَى النَّظْمِ الْمُعْجِزِ لَا تُؤَدِّيهِ التَّرْجَمَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

وَلَا يَعْنِينَا الْآنَ بَيَانُ وَجْهِ اسْتِدْلَالِ الْإِمَامِ بِالْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَحَّ رُجُوعُهُ إِلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ.

فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الثَّلَاثَةِ بِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا لَيْسَ مَبْنَاهُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَصِيرُ قُرْآنًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَيُفْرَضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَلِ الْمَفْرُوضُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَعَلُّمُ الْعَرَبِيَّةِ ; لِأَنَّهُ الْقُرْآنُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِ لِعَجْزِهِ، وَلِأَنَّهُ الْمَيْسُورُ لَهُ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَلَمَا كَانَ أَدَاءُ الْمَفْرُوضَ مَوْقُوفًا عَلَى النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَيْسُورًا لَهُ أَتَى بِالتَّرْجَمَةِ بَدَلًا عَنْهُ ; لِتَقُومَ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى الْمَفْرُوضِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ كَلَامُ اللهِ، الْمُنَزَّلُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالتَّرْجَمَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ - وَفِي الدِّرَايَةِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ تُسَمَّى قُرْآنًا مَجَازًا، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْقُرْآنِ عَنْهُ فَيُقَالُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَرْجَمَتُهُ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِلْعَاجِزِ إِذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ قُرْآنٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَى، فَالْإِتْيَانُ بِهِ أَوْلَى مِنَ التَّرْكِ مُطْلَقًا ; إِذِ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْوُسْعِ اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ، وَمَسْأَلَةُ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا شَيْءٌ آخَرُ، وَالْكَلَامُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْأَوَّلِ عَلَى فَرْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>