للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَرَبِيَّةَ وَيُفَسِّرُهَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كِنَايَاتُ الْوِقَاعِ فَحَذَفَ مِنْهَا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا (٧: ١٨٩) وَاكْتَفَى بِكَلِمَةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَمْلِ.

وَتَرْجَمَ الْمُلَامَسَةَ بِمَا مَعْنَاهُ وَإِذَا وُجِدْتُمْ بِالْمُنَاسَبَاتِ الْجِنْسِيَّةِ مَعَ النِّسَاءِ فَتَنَظَّفُوا.

وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَأَمَّا الْحَرْثُ فَتَرْجَمَهُ بِكَلِمَةِ " تارلا " وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُعَدَّةُ لِزَرْعِ الْحُبُوبِ دُونَ الْمُشَجَّرَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكِنَايَةَ تُجَامِعُ الْحَقِيقَةَ، فَإِحْلَالُ الرَّفَثِ إِلَى النِّسَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى حَظْرِ الرَّفَثِ بِالْقَوْلِ عَلَى الصَّائِمِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْكَلِمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُكَنَّى عَنْهُ. وَالتَّرْجَمَةُ التُّرْكِيَّةُ لَا تُفِيدُ الدَّلَالَتَيْنِ.

وَتَرْجَمَ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى (٤: ٤٣) إِلَخْ. بِمَا مَعْنَاهُ: لَا تُصَلُّوا فِي حَالِ سُكْرِكُمْ بَلِ انْتَظَرُوا أَنْ تَجِيئُوا إِلَى حَالٍ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَفْهَمُوا فِيهَا مَا تَقُولُونَ - وَلَا تَعْبُدُوا فِي حَالِ كَوْنِكُمْ جُنُبًا بَلِ انْتَظِرُوا الْغُسْلَ. وَهَذِهِ تَرْجَمَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ بَاطِلَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا يَرَى الْقَارِئُ وَلَيْسَ فِيهَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَلَا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الظَّالِمِينَ: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (١٤: ٤٢، ٤٣) فَقَدْ تَرْجَمَهُ بِمَا مَعْنَاهُ الْحَرْفِيُّ: يُمْهِلُهُمُ اللهُ إِلَى يَوْمٍ يَعْطِفُونَ فِيهِ أَنْظَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ بِصُورَةٍ كَامِلَةٍ، وَسَتَبْقَى قُلُوبُهُمْ فَارِغَةً وَأَنْظَارُهُمْ ثَابِتَةً، وَهُمْ يُسْرِعُونَ بِعَجَلَةٍ رُفِعَتْ رُؤُوسُهُمُ اهـ. فَزَادَ عَلَى الْأَصْلِ تَوْجِيهَ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَوْلَهُ: " بِصُورَةٍ كَامِلَةٍ " أَرَادَ بِهِ تَفْسِيرَ شُخُوصِ الْبَصَرِ، وَهُوَ لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَلَا يُصَوِّرُ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْبَلِيغَ الْمُؤْثَرَ لِلْأَبْصَارِ الشَّاخِصَةِ، وَالرُّءُوسِ الْمُقْنِعَةِ، وَالْأَعْنَاقِ الْمُهْطِعَةِ، بَلْ لَمْ يَذْكُرِ الرُّؤُوسَ وَالْأَعْنَاقَ أَلْبَتَّةَ. وَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الدِّرْكَةِ مِنَ الْعَجْزِ مَعَ اسْتِعَانَتِهِ بِالْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ، فَكَيْفَ تَكُونُ تَرْجَمَتُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى إِذَا حَاوَلُوا أَنْ تَكُونَ تُرْكِيَّةً خَالِصَةً خَالِيَةً مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا يَطْلُبُ غُلَاةُ غُوَاتِهِمْ؟ ! .

هَذَا وَإِنَّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنَ الْغَلَطِ وَتَحْرِيفِ الْمَعَانِي وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَا لَا يَعْقِلُ لَهُ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِ سَبَبًا إِلَّا تَعَمُّدَ الْإِضْلَالِ ; لِأَنَّ الْجَهْلَ وَحْدَهُ لَا يَهْبِطُ بِهَذَا الْمُتَرْجِمِ إِلَى هَذَا الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مَعَ ادِّعَائِهِ الْوُقُوفَ عِنْدَ حُدُودِ التَّعْبِيرِ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ بِلَفْظٍ تُرْكِيٍّ، كَوَظِيفَةِ مُتَرْجِمِي الْمَحَاكِمِ الْقَضَائِيَّةِ.

فَمِنَ التَّحْرِيفِ الْمُخِلِّ الدَّالِّ عَلَى سُوءِ النِّيَّةِ تَرْجَمَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً (سُورَةِ يُونُسَ آيَةِ ٨٧) .

اتَّفَقَ مُفَسِّرُوا السَّلَفِ وَالْخَلْفِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى اتِّخَاذِ بُيُوتِهِمْ قِبْلَةً أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا،

فَكَأَنَّهُ قَالَ: اجْعَلُوهَا مَسَاجِدَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ - أَوْ أَنْ يُوَجِّهُوهَا إِلَى الْقِبْلَةِ - قِيلَ: هِيَ الْكَعْبَةُ. وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>