للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُمَا جَمِيلُ سَعِيد بِك حَفِيدُ كَمَال بَاشَا نَاظِرِ الْمَعَارِفِ الْأَسْبَقِ، فَتَرْجَمَ الْقُرْآنَ لَقَدْ كَانَ الْمُنْتَظَرُ أَنْ تَكُونَ التَّرْجَمَةُ الثَّانِيَةُ أَحْسَنَ وَأَكْمَلَ مِنَ الْأَوَّلِ إِنَّمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْأَمَلُ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّنَا قَدِ انْتَقَدْنَا جَمِيلَ بِك أَمَرَّ انْتِقَادٍ، وَلَمْ نَتْرُكْ لَهُ أَيَّ مَنْفَذٍ لِلتَّخَلُّصِ، وَقَدْ أَرَادَ حَضْرَتُهُ أَنْ يُجِيبَنَا عَلَى انْتِقَادَاتِنَا بِتَخْفِيفِ أَهَمِّيَّةِ أَخْطَائِهِ فَلَمْ يَفْلَحْ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَانَ جَوَابُهُ أَعْدَلَ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لِلْعَمَلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَالْأَدْهَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّنَا عِنْدَ انْتِقَادِنَا لَهُ ظَنَنًّا أَنَّهُ تَرْجَمَ الْقُرْآنَ مِنْ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِ أُورُبَّا، لَا مِنْ أَصْلِهِ الْعَرَبِيِّ، وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى ذَلِكَ بِبَعْضِ الدَّلَائِلِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُجِيبَنَا عَلَى ذَلِكَ بِبِنْتِ شَفَةٍ ; وَلِذَلِكَ فَإِنَّنَا فِي مَقَالَتِنَا الثَّانِيَةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ الْحَمَلَةَ لِآخَرَ دَرَجَةٍ، وَقُلْنَا لَهُ: إِنَّهُ فَضَحَ الشَّعْبَ التُّرْكِيَّ بِاقْتِرَافِ هَذِهِ الْجَرِيرَةِ الْمُدْهِشَةِ ; لِأَنَّ الشَّعْبَ التُّرْكِيَّ شَعْبٌ مُسْلِمٌ مُنْذُ عَشَرَاتِ الْقُرُونِ، شَعْبٌ يَخْدِمُ الْمَدَنِيَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ وَيَتَوَلَّى زَعَامَةَ الْأُمَمِ الْإِسْلَامِيَّةِ مُنْذُ قُرُونٍ، شَعْبٌ يَفْهَمُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ مِنْ أَصْلِهِ الْعَرَبِيِّ مُنْذُ قُرُونٍ شَعْبٌ أَنْجَبَ الْمِئَاتَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ، وَتَبَحَّرُوا فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْهُ. فَعَارٌ أَنْ يَقْرَأَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْقَرْنِ مِنْ لُغَةِ مُبَشِّرٍ مُتَعَصِّبٍ.

وَقَدْ أَخْرَجْنَا لِذَلِكَ الْمُتَرْجِمِ كَثِيرًا مِنْ أَخْطَائِهِ الَّتِي لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا، وَعَدَا هَذَا فَإِنَّ رِيَاسَةَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فِي أَنُقْرَةَ لَمْ تَتَأَخَّرْ مُطْلَقًا فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهَا، بَلْ إِنَّهَا عِنْدَ انْتِشَارِ كُلِّ تَرْجَمَةٍ مِنْ هَذِهِ التَّرَاجِمِ حَذَّرَتِ النَّاسَ مِنْهَا، وَنَبَّهَتْهُمْ إِلَى مَا فِيهَا مِنَ التَّحْرِيفَاتِ. وَبِذَلِكَ قَضَتْ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ بِمَا تَسْتَحِقُّهَا انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.

وَجَاءَ فِي جَرِيدَةِ الْأَهْرَامِ فِي ٢٩ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ١٣٤٢ هـ مَا نَصُّهُ: تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ بِالتُّرْكِيَّةِ

أَقْدَمَ فَرِيقٌ مِنَ التَّرْكِ أَخِيرًا عَلَى تَنْفِيذِ الْفِكْرَةِ الَّتِي طَالَمَا تَمَنَّوْا تَنْفِيذَهَا، وَهِيَ أَنْ يُتَرْجِمُوا الْقُرْآنَ بِالتُّرْكِيَّةِ، وَيَسْتَغْنُوا بِهِ عَنِ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، فَشَرْعُ مُصْطَفَى أَفَنْدِي الْعَيْنَتَابِيُّ وَزِيرُ الْحَقَّانِيَّةِ السَّابِقُ، وَالشَّيْخُ مُحْسِنُ فَانِي، وَمُصْطَفَى بِك، وَسَيْفُ الدِّينِ بِك فِي نَشْرِ التَّرْجَمَةِ التُّرْكِيَّةِ بِأَقْلَامِهِمْ، وَقَدْ أَنْشَأَتْ مَجَلَّةُ (سَبِيلِ الرَّشَادِ) التُّرْكِيَّةُ مَقَالَةً عِلْمِيَّةً فِي انْتِقَادِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَبَيَانِ مَوَاطِنِ الْخَلَلِ فِيهَا، وَقَدَّمَتْ لِذَلِكَ نَمُوذَجًا مِنَ الْغَلَطَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي تَرْجَمَةِ (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ) فَقَطْ فَبَلَغَتْ سِتَّ غَلَطَاتٍ لَا يَجُوزُ التَّسَامُحُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَمِنْ ذَلِكَ خَطَؤُهُمْ فِي وَضْعِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنْدَمِجِ فِي حَرْفِ (أَلْ) مِنْ (الْحَمْدُ) وَحَشُوِهِمْ لَفْظًا زَائِدًا فِي تَرْجَمَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَتَقُولُ الْمَجَلَّةُ التُّرْكِيَّةُ: إِنَّهُمْ قَطَعُوا بِذَلِكَ نَظْمَ الْكَلِمَاتِ الْقُدْسِيَّةِ بَلْ سَحَقُوا مَا فِيهَا مِنَ الدُّرَرِ، وَتَرْجَمُوا وَغَيَّرُوا لَفْظَ يَوْمِ الدِّينِ بِلَفْظِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>