للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ أَبَانَتِ الْمَجَلَّةُ التُّرْكِيَّةُ الْفُرُوقَ الْعَظِيمَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَزَادُوا فِي الْفَاتِحَةِ نِدَاءَ " يَا اللهُ " مَرَّتَيْنِ بِلَا لُزُومٍ. وَبِذَلِكَ حَوَّلُوا بَلَاغَةَ الْقُرْآنِ وَإِيجَازَهُ إِلَى شَكْلٍ غَيْرِ لَطِيفٍ. وَتَرْجَمُوا كَلِمَةً (اهْدِنَا) بِلَفْظِ " أَرِنَا " قَالَتِ الْمَجَلَّةُ: وَبِذَلِكَ نَحَوْا نَحْوَ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلَا نَدْرِي أَقَصَدُوا ذَلِكَ أَمْ هِيَ رَمْيَةٌ مِنْ غَيْرِ رَامٍ؟ وَحَرَّفُوا نَظْمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلُوا " الصِّرَاطَ " فِي التَّرْجَمَةِ مَفْعُولَ الْإِنْعَامِ، وَهُوَ مَفْعُولُ الْهِدَايَةِ، فَجَاءَتْ تَرْجَمَتُهُمْ هَكَذَا: " الصِّرَاطُ الَّذِي أَنْعَمْتَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ".

قَالَتْ مَجَلَّةُ سَبِيلِ الرَّشَادِ: وَالْحَقُّ أَنَّ جَرْأَةَ أُنَاسٍ هَذَا مَبْلَغُ عِلْمِهِمْ بِلُغَةِ الْقُرْآنِ، عَلَى أَنْ يُتَرْجِمُوا الْقُرْآنَ لَمِمَّا يَدْعُو إِلَى الْأَسَفِ، وَإِنَّهُ لَإِثْمٌ عَظِيمٌ. قَالَتْ: وَرَجَاؤُنَا إِلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اللهَ مِمَّا ارْتَكَبُوا مِنَ الْإِثْمِ الْعَظِيمِ، وَأَنْ يَتُوبُوا إِلَيْهِ وَيَتَحَوَّلُوا عَنْ هَذَا الْعَمَلِ السَّقِيمِ الَّذِي حَاوَلُوهُ اهـ.

وَتَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا، وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ مِنْ حُكُومَةِ أَنُقْرَةَ، وَأَنَّ تَرْجَمَتَهُمْ سَتَكُونُ الرَّسْمِيَّةَ وَاللهُ أَعْلَمُ.

قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ تَرْجَمَةٍ حَاوَلَهَا التُّرْكُ قَاصِرَةٌ عَنْ أَدَاءِ مَعَانِي الْقُرْآنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَفْهَمُهَا كُلُّ قَارِئٍ، وَيَسْهُلُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِكُلِّ لُغَةٍ، دَعْ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ، وَالْأَوْصَافِ الْمُمْتَازَةِ فِي الْبَلَاغَةِ، وَأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَعَالَمِ الْغَيْبِ، وَالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالْمُفْرَدَاتِ وَالْجُمَلِ وَالْأَسَالِيبِ الْخَاصَّةِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ دُونَ لُغَاتِ الْعَجَمِ وَلَاسِيَّمَا التُّرْكِيَّةُ الْفَقِيرَةُ، وَهَذَا يَفْتَحُ أَبْوَابًا وَاسِعَةً لِلشُّبَهَاتِ وَالْمَطَاعِنِ فِيهِ، وَيَسُدُّ أَبْوَابًا وَاسِعَةً لِضُرُوبٍ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأَمُّلِ الدَّافِعَةِ لَهَا، وَضُرُوبٍ مِنَ الْمَعَارِفِ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لَهُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ التُّرْكَ حَظَرُوا تَعْلِيمَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَفُنُونَهَا وَالْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ فِي بِلَادِهِمْ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجِدُ قَارِئُ تَرْجَمَتِهِمُ التُّرْكِيَّةِ لِلْقُرْآنِ فِي الْأَجْيَالِ الْآتِيَةِ مَرْجِعًا لِتَفْسِيرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِذَا هُوَ اسْتَشْكَلَ أَوْ طَعَنَ لَهُ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.

وَأَضْرِبُ لِذَلِكَ مِنَ الْمَثَلِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (٩٥: ١) الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ مُصْطَفَى كَمَال بَاشَا بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ فِي أَقَلِّ مِنْ نِصْفِ سَاعَةٍ، فَهَزَأَ بِهِ الْبَاشَا، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَثَلًا فِي الْجَهْلِ، وَهُوَ أَجْدَرُ بِهَذَا الْوَصْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مُرَادِفَ التِّينِ بِالتُّرْكِيَّةِ وَهُوَ " انجير "، وَذَلِكَ الْعَالِمُ يُعْذَرُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْكَبِيرَ فِي مَقَامِهِ وَفِي مَعَارِفِهِ الْعَسْكَرِيَّةِ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ بَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا يُقَابِلُهَا فِي التُّرْكِيَّةِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ بِالسُّؤَالِ مَعْنَى إِقْسَامِ اللهِ تَعَالَى بِبَعْضِ الشَّجَرِ وَالْبِقَاعِ وَالْبِلَادِ وَحِكْمَتِهِ، كَمَا إِذَا سَأَلَ هَذَا الْفَقِيهُ مِنَ الْبَاشَا عَمَّا يُسَمِّيهِ رِجَالُ الْحَرْبِ " خَطَّ الرَّجْعَةِ " مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَفْسِيرَ كَلِمَةِ خَطٍّوَكَلِمَةِ الرَّجْعَةِ لُغَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>