للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ قَائِدٌ دُهْمُ الرَّبَابِ خَلْفَهُ ... رَوَايَا يُبَجِّسْنَ الْغَمَامَ الْكَنَهْوَرَا

وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى حِينَ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ فَاسْتَسْقَى رَبَّهُ لَهُمْ (كَمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ) بِأَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَضَرَبَهُ فَنَبَعَتْ مِنْهُ عَقِبَ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا مِنَ الْمَاءِ بِعَدَدِ أَسْبَاطِهِمْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ أَيْ: قَدْ عَرِفَ أُنَاسُ كُلِّ سِبْطٍ الْمَكَانَ الَّذِي يَشْرَبُونَ مِنْهُ إِذْ خُصَّ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَأْخُذُ الْمَاءَ إِلَّا مِنْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النِّظَامِ، وَاتِّقَاءِ ضَرَرِ الزِّحَامِ. وَفِي أَوَّلِ سِفْرِ الْعَدَدِ مِنَ التَّوْرَاةِ: أَنَّ عَدَدَ الرِّجَالِ الصَّالِحِينَ لِلْحَرْبِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَزِيدُ عَلَى سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ فَمَا فَوْقَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَدَدُ الْجَمِيعِ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا لَا يَقِلُّ عَنْ أَلْفَيْ أَلْفٍ (مِلْيُونَيْنِ) وَلِلْمُؤَرِّخِ النَّقَّادِ الْحَكِيمِ ابْنِ خَلْدُونَ تَشْكِيكٌ مَعْرُوفٌ فِيمَا قَالَهُ الْمُؤَرِّخُونَ تَبَعًا لِلتَّوْرَاةِ فِي كَثْرَةِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَصَّلَهَا فِي أَوَّلِ مُقَدَّمَةِ تَارِيخِهِ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ الشَّكُّ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا أُلُوفًا كَثِيرَةً أَوْ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي سَيْنَاءَ مَوَارِدُ لِلْمَاءِ غَيْرَ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّتِي انْفَجَرَتْ مِنْ صَخْرٍ فِي جَبَلِ (حوريت) مُتَّصِلٍ بِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِسَاحَةُ ذَلِكَ الصَّخْرِ وَاسِعَةً جِدًّا، وَأَنْ يَكُونَ السَّهْلُ أَمَامَهُ أَفْسَحَ لِيَسَعَ الْأُلُوفَ مِنَ الْأَسْبَاطِ يَرِدُونَ وَيُصْدِرُونَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ

عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مَدْلُولِ لَفْظِ (حوريت) الَّذِي أَمَرَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَى صَخْرٍ فِيهِ فَيَجِدُهُ - أَيِّ الرَّبَّ - عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ فَيَنْفَجِرَ مِنْهُ الْمَاءُ، هَلْ هُوَ جَبَلُ سَيْنَاءَ نَفْسُهُ؟ أَمْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؟ - وَيَزْعُمُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الصَّخْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَادِي الَّذِي يُسَمَّى (وَادِي اللجَاءِ) وَيُعَيِّنُ بَعْضُ الرُّهْبَانِ مَكَانَهُ، وَلَا يَعْنِينَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ إِلَّا أَنَّنَا نَجْزِمُ بِأَنَّ مَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ عِنْدَنَا مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الْحَجَرِ وَحَجْمِهِ وَشَكْلِهِ كَكَوْنِهِ كَرَأْسِ الشَّاةِ أَوْ أَكْبَرَ، وَكَوْنِهِ يُوضَعُ فِي الْجَوَالِقِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ - كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهَا بِالْقَبُولِ أَيُّهَا أَغْرَبُ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى احْتِرَامِهِ كَثِيرًا مِنْهَا.

وَفِي عَرَائِسِ الْمَجَالِسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقْرَعُ لَهُمْ أَقْرَبَ حَجَرٍ فَتَنْفَجِرُ مِنْهُ عُيُونٌ. . . فَقَالُوا إِنْ فَقَدَ مُوسَى عَصَاهُ مِتْنَا عَطَشًا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ بِأَنْ يُكَلِّمَ الْحِجَارَةَ فَتُعْطِيَهُ، فَقَالُوا: كَيْفَ بِنَا إِذَا مَضَيْنَا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا حِجَارَةٌ؟ فَأَمْرُ اللهِ مُوسَى أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ حَجَرًا فَحَيْثُمَا نَزَلَ أَلْقَاهُ! إِلَخْ. وَهَذَا مِنَ الْخُرَافَاتِ الَّتِي اخْتَلَقَهَا وَهْبٌ، لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَلَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْلَا جُنُونُ الرُّوَاةِ بِكُلِّ مَا يُقَالُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَا قَبِلُوا مِنْ مَثَلِهِ أَنْ يَشْرَبَ مِئَاتُ الْأُلُوفِ أَوِ الْمَلَايِينِ مِنْ حَجَرٍ صَغِيرٍ يُحْمَلُ، كَمَا قَبِلُوا مِنْ مَزَاعِمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>