أَنَّ رَأْسَ الرَّجُلِ مِنْ قَوْمِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ كَالْقُبَّةِ الْعَظِيمَةِ! ! وَقَدْ عَدُّوهُ مَعَ أَمْثَالِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ ثِقَةً فِي الرِّوَايَةِ! .
وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ الْغَمَامُ: السَّحَابُ أَوِ الْأَبْيَضُ أَوِ الرَّقِيقُ مِنْهُ، أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُمُ الْغَمَامَ يُلْقِي عَلَيْهِمْ ظِلَّهُ فَيَقِيهِمْ لَفْحَ حَرَارَةِ الشَّمْسِ مِنْ حَيْثُ لَا يُحْرَمُونَ فَائِدَةَ نُورِهَا وَحَرِّهَا الْمُعْتَدِلِ، وَتُسَمَّى السَّحَابَةُ ظُلَّةً بِالضَّمِّ كَكُلِّ مَا أَظَلَّكَ مِنْ فَوْقُ. وَلَوْلَا كَثْرَةُ السَّحَابِ فِي التِّيهِ لَأَحْرَقَتْهُمُ الشَّمْسُ إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ شَجَرٌ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ.
وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى الْمَنُّ مَادَّةٌ بَيْضَاءُ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ (الْجَوِّ) كَالطَّلِّ حُلْوَةُ الطَّعْمِ تُشْبِهُ الْعَسَلَ، وَإِذَا جَفَّتْ تَكُونُ كَالصَّمْغِ، وَقَدْ كَثُرَ نُزُولُهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِأَنَّ طَعْمَهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِالزَّيْتِ، وَمَنْظَرَهُ
كَمَنْظَرِ الْمُقَلِ، وَعُبِّرَ عَنْهُ فِيهَا بِخُبْزِ السَّمَاءِ. وَقَدْ كَانَ يَقُومُ مَقَامَ الْخُبْزِ. وَيَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ بِالترنجبين. وَقَالَ: (الدُّكْتُورُ بُوسْتُ) فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَبَهَ بَيْنَ هَذَا الْمَنِّ، وَالْمَنِّ الطِّبِّيِّ الَّذِي هُوَ عَصِيرٌ مُنْعَقِدٌ مِنْ شَجَرَةِ الدَّرْدَارِ - وَلَا هُوَ أَيْضًا الْمَنُّ الَّذِي يَتَكَوَّنُ مِنْ شَجَرَةِ الطَّرْفَاءِ. وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (١) إِنَّ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ لَمْ يَرَوْهُ قَبْلَ رِحْلَتِهِمْ. (٢) لَا يُوجَدُ الْمَنُّ الْعَرَبِيُّ إِلَّا تَحْتَ الطَّرْفَاءِ وَفِي أَوَّلِ الصَّيْفِ فَقَطْ. (٣) يُمْكِنُ حِفْظُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَا يُدَوِّدُ. (٤) لَا يُمْكِنُ طَحْنُهُ أَوْ دَقُّهُ. (٥) يَتَكَوَّنُ الْمَنُّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ مُدَّةَ الْفَصْلِ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ لَا حَاجَةَ إِلَى شَرْحِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ إِثْبَاتَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمَنَّ كَانَ " عَجِيبَةً " أَيْ مُعْجِزَةً أَوْ كَرَامَةً لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ مَا آتَى اللهُ كَلِيمَهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ عَلَى قَوْمِهِ لِإِصْلَاحِهِمْ. وَقَدْ كَانَ أَفْسَدَهُمُ اسْتِعْبَادُ الْمِصْرِيِّينَ لَهُمْ، وَيَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُعْجِزَةُ فِي نُزُولِهَا بِتِلْكَ الْكَثْرَةِ الَّتِي كَانَتْ تَكْفِي تِلْكَ الْأُلُوفَ، وَتَقُومُ عِنْدَهُمْ مَقَامَ الْخُبْزِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُوَ فِي (السَّلْوَى) فَقَدْ وَافَقَ غَيْرَهُ فِي أَنَّهَا هِيَ طَيْرُ السِّمَّانِ الْمَعْرُوفِ وَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تُهَاجِرُ مِنْ أَفْرِيقِيَّةَ (وَلَا سِيَّمَا مِصْرُ) فَتَصِلُ إِلَى سَيْنَاءَ تَعِبَةً فَتَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ تَسِفُّ فَتُؤْخَذُ بِالْيَدِ. وَقِيلَ: طَيْرٌ تُشْبِهُ السِّمَانَ وَلَكِنَّهَا أَكْبَرُ مِنْهَا.
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ هُنَا قَوْلٌ مُقَدَّرٌ يَكْثُرُ مِثْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، أَيْ وَقُلْنَا لَهُمْ - أَوْ أَنْزَلْنَا مَا ذُكِرَ عَلَيْهِمْ قَائِلِينَ: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، فَوُضِعَ هَذَا الْوَصْفُ لِلْمَنِّ وَالسَّلْوَى مَوْضِعَ الضَّمِيرِ ; لِتَعْظِيمِ شَأْنِ الْمِنَّةِ بِهِمَا. وَإِسْنَادُ الرِّزْقِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِ الْعَظَمَةِ تَأْكِيدٌ لِلتَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ بِمَا يَجِبُ مِنْ شُكْرِهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. وَيُقَدَّرُ مِثْلَ هَذَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ الْمَدَنِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُجَاوِرِينَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْمَدِينَةِ وَلِمَنْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْخِطَابَ لَهُمْ هُنَالِكَ إِنَّمَا كَانَ بِمَا وَقَعَ لِأَجْدَادِهِمْ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْحِكَايَةِ فِي آيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute