للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَعْرَافِ إِلَّا أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا كَانَ مُوَجَّهًا أَوَّلًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ ; وَلِذَلِكَ اتَّحَدَ عَجُزُ الْآيَةِ فِي السُّورَتَيْنِ وَهُوَ:.

وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَيْ وَمَا ظَلَمُونَا بِكُفْرِهِمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ، وَلَكِنْ كَانَ دَأْبُهُمْ ظُلْمَ أَنْفُسِهِمْ دُونَ رَبِّهِمُ الَّذِي لَا يَنَالُهُ تَأْثِيرُ أَحَدٍ بِظُلْمٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَكَانُوا يَجْنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِكُفْرِ النِّعَمِ وَالْجُحُودِ وَغَيْرِهِمَا آنًا بَعْدَ آنٍ وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَالِ، وَفِي التَّوْرَاةِ بِالتَّفْصِيلِ. فَتَقْدِيمُ أَنْفُسِهِمْ عَلَى يَظْلِمُونَ الْمُفِيدُ لِقَصْرِ ظُلْمِهِمْ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ أَنْ كُفْرَهُمْ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى يَضُرُّهُمْ وَلَا يَضُرُّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ الطَّوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ مَرْفُوعًا " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا ". (وَمِنْهُ) " يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي " وَلَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْقَصْرِ أَنَّهُمْ لَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنَ التِّيهِ فَيَنْفِي عَنْهُمْ ظُلْمَهُ، وَلَمَّا اتَّصَلُوا بِالنَّاسِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ كَانَ مِنْهُمُ الْعَادِلُونَ وَمِنْهُمُ الظَّالِمُونَ، وَمِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ أَظْلَمَ. وَإِنْ كَانَ ظُلْمُهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا يَجْهَلُ أَنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا ; لِأَنَّهُ يَتَجَلَّى لَهُ فِي صُورَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عَاقِبَتُهُ الْمَضَرَّةَ، وَهَكَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الظَّالِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ. يَنْوُونَ بِظُلْمِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ نَفْعَ أَنْفُسِهِمْ جَهَالَةً مِنْهُمْ. وَلَا يَزَالُ طَوَائِفُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقْدِمُونَ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ يَقْصِدُونَ بِهَا نَفْعَ أَنْفُسِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، وَهِيَ تُنْذِرُ بِخَطَرٍ كَبِيرٍ، وَشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، كَالْفِتْنَةِ الَّتِي أَثَارُوهَا فِي بِلَادِ الرُّوسِيَّةِ بِتَعَالِيمَ الِاشْتِرَاكِيَّةِ الْمُسْرِفَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْبَلْشَفِيَّةِ، وَمُحَاوَلَةِ انْتِزَاعِ فِلَسْطِينَ مِنَ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَضْمُونِ التَّمَادِي وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى الظُّلْمِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِجُمْلَةِ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إِذْ هِيَ تُفِيدُ أَنَّ هَذَا صَارَ دَأْبًا وَعَادَةً لَهُمْ.

وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُون

َ

<<  <  ج: ص:  >  >>