للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَدْلُولَاتِهَا كَمَا يَقُولُ الْمُفَسِّرُ وَالْمُعَلِّمُ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَهْمَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرِ، وَمَا التَّصَوُّرُ إِلَّا خَيَالٌ يَلُوحُ وَيَتَرَاءَى ثُمَّ يَغِيبُ وَيَتَنَاءَى، وَإِنَّمَا الْفَهْمُ فَهْمُ التَّصْدِيقِ وَالْإِذْعَانِ مِمَنْ يَتَدَبَّرُ الْكِتَابَ مُسْتَهْدِيًا مُسْتَرْشِدًا مُلَاحِظًا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - لِيَأْخُذَ بِهِ فَيَهْتَدِي وَيَرْشَدُ، وَالْمُقَلِّدُونَ مَحْرُومُونَ مِنْ هَذَا فَلَا يَخْطُرُ لَهُمْ بِبَالٍ أَنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِ اللهِ - تَعَالَى -، وَإِنَّمَا الْهِدَايَةُ عِنْدَهُمْ مَحْصُورَةٌ فِي كَلَامِ رُؤَسَائِهِمُ الدِّينِيِّينَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا مَيِّتِينَ.

وَإِذَا كُنَّا نَعْتَبِرُ بِمَا قَصَّ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ: (لَقَدْ

كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (١٢: ١١١) فَإِنَّنَا نَعْرِفُ حُكْمَ أَهْلِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ - تَعَالَى - مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (٤٧: ٢٤ (وَقَوْلِهِ: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (٣٨: ٢٩) فَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ لَمْ تَحُلْ دُونَ اتِّبَاعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ كَمَا أُنْبِئَتْ لِلتَّحْذِيرِ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ عَلَيْهَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ((وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)) (٢) وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يَتْلُو أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ هِدَايَتِهِ غَيْرُ مُعْتَبِرٍ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ فَهُوَ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ.

سَأَلَ سَائِلٌ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ حَاضِرِي الدَّرْسِ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ يُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إِنَّهُ أُنْزِلَ لِذَلِكَ وَكَيْفَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَاللهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ يَقُولُ إِنَّهُ أَنْزَلَهُ: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (٣٨: ٢٩) ، فَالْقُرْآنُ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ يُصَرِّحَانِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ إِذَا أُخِذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَجُعِلَ مَعْنَاهُ - أَوْ مِنْ مَعْنَاهُ - أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - يُطَالِبُ عِبَادَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ وَلَا تَذَكُّرٍ. وَقَدْ جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَصِفُ حَالَ قَوْمٍ يَأْتُونَ بَعْدُ ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِرُ تَرَاقِيَهُمْ)) وَقَدْ سَمَّاهُمْ شِرَارَ الْخَلْقِ، فَهَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ قَدِ اتَّخَذُوا الْقُرْآنَ مِنَ الْأَغَانِي وَالْمُطْرِبَاتِ، وَإِذَا طَالَبْتَ أَحَدَهُمْ بِالْفَهْمِ وَالتَّدَبُّرِ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ وَاحْتَجَّ عَلَيْكَ بِكَلِمَةٍ قَالَهَا فَلَانٌ أَوْ حُلْمٍ رَآهُ فُلَانٌ، وَهَكَذَا انْقَلَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>