وَيُسَوَّى بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَيُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ، وَيُقَابِلُهُ الضَّرِيحُ أَوِ الشَّقُّ، وَهُوَ وَضْعُهُ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ (وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ فِي الشَّرْعِ) يُقَالُ: لَحَدَ الْقَبْرَ وَأَلْحَدَهُ، وَلَحَدَ لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدَ، أَيْ جَعَلَ لَهُ لَحْدًا، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: أَلْحَدَ السَّهْمُ الْهَدَفَ، أَيْ مَالَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ، وَلَمْ يُصِبْ وَسَطَهُ، وَلَمَّا كَانَ " خِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطَهَا " كَانَ الِانْحِرَافُ عَنِ الْوَسَطِ مَذْمُومًا، وَمِنْهُ أُخِذَ التَّعْبِيرُ عَنِ الْكُفْرِ وَالتَّعْطِيلِ وَالشَّكِّ فِي اللهِ تَعَالَى بِالْإِلْحَادِ وَسُمِّيَ ذَوُوهُ الْمَلَاحِدَةُ وَالْمُلْحِدُونَ.
قَالَ الرَّاغِبُ: اللَّحْدُ حُفْرَةٌ مَائِلَةٌ عَنِ الْوَسَطِ، وَقَدْ لَحَدَ الْقَبْرَ حَفَرَهُ وَأَلْحَدَهُ، وَقَدْ لَحَدْتُ الْمَيِّتَ وَأَلْحَدْتُهُ: جَعَلْتُهُ فِي اللَّحْدِ، وَيُسَمَّى اللَّحْدُ مُلْحَدًا، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ أَلْحَدْتُهُ. وَلَحَدَ بِلِسَانِهِ إِلَى كَذَا مَالَ. قَالَ تَعَالَى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ (١٦: ١٠٣) مِنْ لَحَدَ، وَقُرِئَ (يَلْحَدُونَ) مِنْ أَلْحَدَ، وَأَلْحَدَ فُلَانٌ: مَالَ عَنِ الْحَقِّ، وَالْإِلْحَادُ ضَرْبَانِ: إِلْحَادٌ إِلَى الشِّرْكِ بِاللهِ، وَإِلْحَادٌ إِلَى الشِّرْكِ بِالْأَسْبَابِ، فَالْأَوَّلُ يُنَافِي الْإِيمَانَ وَيُبْطِلُهُ، وَالثَّانِي يُوهِنُ عُرَاهُ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَمِنْ هَذَا النَّحْوِ قَوْلُهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٢: ٢٥) وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ (٧: ١٨٠) وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُوصَفَ بِمَا لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَأَوَّلَ أَوْصَافَهُ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ اهـ.
أَقُولُ: قَرَأَ حَمْزَةُ (يَلْحِدُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي فُصِّلَتْ: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا (٤١: ٤٠) مِنْ لَحَدَ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا مَنْ أَلْحَدَ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ كَمَا عَلِمْتَ، وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكَادُ يُسْمَعُ.
وَفِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الْإِلْحَادُ التَّكْذِيبُ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ هُنَا: اشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَاللَّاتِ مِنَ اللهِ، وَعَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ " يَلْحِدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ اللَّحْدِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَعَنْ قَتَادَةَ فِي تَفْسِيرِهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يُشْرِكُونَ وَالثَّانِيَةُ: يُكَذِّبُونَ فِي أَسْمَائِهِ، وَمُلَخَّصُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى التَّكْذِيبَ بِهَا، وَإِنْكَارَ مَعَانِيهَا، وَتَحْرِيفَهَا بِالتَّأْوِيلِ وَنَحْوِهِ، وَتَسْمِيَتَهُ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِشْرَاكَ غَيْرِهِ بِهِ فِيهَا، وَهَذَانِ قِسْمَانِ: إِشْرَاكٌ فِي التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ يُقْصَرُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَخَصَائِصِهِمَا، وَإِشْرَاكٌ فِي الْمَعَانِي وَهِيَ قِسْمَانِ: مَعَانٍ خَاصَّةٌ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَمَعَانٍ غَيْرُ خَاصَّةٍ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا الْخَاصُّ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute