(٨١: ١) وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٨٢: ١، ٢) وَإِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ٥٦: ٤ - ٦ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ قِيَامِهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ثِقَلِهَا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا يُصِيبُهُ مِنْ ضَرَرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِكُلِّ رِوَايَةٍ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الْجُمْلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ جُمْلَةِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ.
لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً أَيْ: فَجْأَةً عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ، مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعٍ وَلَا انْتِظَارٍ، وَلَا إِشْعَارٍ وَلَا إِنْذَارٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّنْزِيلِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يُسْقَى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا " وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَبْغُتُ النَّاسَ وَهُمْ مُنْهَمِكُونَ فِي أُمُورِ مَعَايِشِهِمُ الْمُعْتَادَةِ. وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢٢: ١، ٢) .
فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَخَافُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَأَنْ يَحْمِلَهُمُ الْخَوْفُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِهِمْ فَيَلْتَزِمُوا فِيهَا الْحَقَّ، وَيَتَحَرَّوُا الْخَيْرَ، وَيَتَّقُوا الشَّرَّ وَالْمَعَاصِيَ، وَلَا يَجْعَلُوا حَظَّهُمْ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ الْجِدَالَ، وَالْقِيلَ وَالْقَالَ. وَإِنَّنَا نَرَى بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ شَغَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ بِبَحْثٍ افْتَجَرَهُ بَعْضُ الْغُلَاةِ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ طُولَ عُمْرِهِ لَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةُ بَلْ أَعْلَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ بَلْ زَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَعَهُ عَلَى كُلِّ مَا فِي عِلْمِهِ، فَصَارَ عِلْمُهُ كَعِلْمِ رَبِّهِ، أَيْ صَارَ نِدًّا وَشَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِالْغُيُوبِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَمِنْ أَصُولِ التَّوْحِيدِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالرَّسُولُ عَبْدُ اللهِ لَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا مَا أَوْحَاهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لِأَدَاءِ وَظِيفَةِ التَّبْلِيغِ، وَسَتَزْدَادُ عِلْمًا بِبُطْلَانِ هَذَا الْغُلُوِّ خَاصَّةً فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ، وَلَكِنَّ الْغُلَاةَ يَرَوْنَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِهِ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ دُونَ صِفَاتِ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَكَذَّبُوا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى، وَشَبَّهُوا بِهِ بَعْضَ عَبِيدِهِ إِرْضَاءً لِغُلُوِّهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا الْغُلُوِّ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَوْ أَرَادَ اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute