دَسَائِسِ رُوَاةِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَتَلْبِيسِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ وَضْعِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، كَكَوْنِ كَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُحْتَمَلُ إِرْجَاعُهَا إِلَى مَصْدَرٍ وَاحِدٍ يُعْنَى بِنَشْرِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَمَسْأَلَةِ الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي هُوَ أَسَاسُ مَذْهَبٍ سِيَاسِيٍّ كُسِيَ ثَوْبَ الدِّينِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ رِوَايَاتِهِ لَا تَخْلُو أَسَانِيدُهَا مِنْ شِيعِيٍّ، وَأَنَّ الزَّنَادِقَةَ كَانُوا يَبُثُّونَ الدَّعْوَة إِلَى ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِسَلْبِ سُلْطَانِ الْعَرَبِ، وَإِعَادَةِ مُلْكِ الْفُرْسِ؟ وَكَكَوْنِ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْي وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ لَهُ حُكْمُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَجِبُ تَقْيِيدُ هَذَا فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمُجْتَهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي مَوْضُوعِنَا هَذَا كَمَا رَأَيْتَ آنِفًا.
هَذَا وَإِنَّ لِمُتَقَدِّمِي أُمَمِ الْحَضَارَةِ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْهُنُودِ وَالصِّينِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالًا فِي عُمْرِ الدُّنْيَا وَتَارِيخِ الْبَشَرِ الْمَاضِي تُذْكَرُ فِيهِ الْأَرْقَامُ بِأُلُوفِ السِّنِينَ وَأُلُوفِ الْأُلُوفِ، وَقَدْ بُنِيَ بَعْضُهُ عَلَى رِوَايَاتٍ مَأْثُورَةٍ عَنْ قُدَمَائِهِمْ، وَبَعْضُهُ عَلَى اصْطِلَاحَاتٍ فَلَكِيَّةٍ وَأَوْهَامٍ تَنْجِيمِيَّةٍ لَا تُفِيدُ عِلْمًا صَحِيحًا.
وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْكَوْنِ فِي هَذَا الْعَصْرِ فَلَهُمْ مَنْهَجٌ فِي عُمْرِ الْأَرْضِ الْمَاضِي، وَمَنْهَجٌ آخَرُ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ وَآثَارِهِمْ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ: مَنْهَجَانِ عِلْمِيَّانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا عُرِفَ بِالْحَفْرِ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَمَا كُشِفَ مِنْ آثَارِ أَعْمَالِ الْبَشَرِ، وَمِنْ عِظَامِ مَوْتَاهُمْ وَرُفَاتِهِمْ، وَهُمْ يَجْزِمُونَ أَنَّ عُمْرَ الدُّنْيَا الْمَاضِيَ يُعَدُّ بِأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ السِّنِينَ، وَقَدْ وُجِدَتْ آثَارٌ لِلْبَشَرِ فِيهَا مُنْذُ مِئَاتِ الْأُلُوفِ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَنْقُضُ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَلَا حَرْفًا وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٤: ٨٢) وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الرَّسُولِ الْقَطْعِيَّةُ أَوِ الصَّحِيحَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْقَطْعِيَّةِ، الَّتِي لَا شُبْهَةَ فِيهَا لِلدَّسَائِسِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ، وَلَا لِلْمَكَايِدِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَإِنَّنَا نُتَمِّمُ هَذَا الْبَحْثَ بِفَصْلٍ وَجِيزٍ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا; لِأَنَّنَا أَلْمَمْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ بِذِكْرِ أَهَمِّهَا، وَفِيهَا الشُّبْهَاتُ مَا فِي مَسْأَلَةِ عُمْرِ الدُّنْيَا، وَقِيَامِ السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ أَمَارَاتُهَا فَنَقُولُ:
أَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتُهَا:
إِنَّ لِلسَّاعَةِ أَشْرَاطًا ثَبَتَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (٤٧: ١٨) الْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ بِفَتْحَتَيْنِ، كَأَسْبَابٍ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهِيَ الْعَلَامَاتُ وَالْأَمَارَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى قُرْبِهَا وَأَعْظَمُهَا بَعْثَةُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، بِآخِرِ هِدَايَةِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ; لِأَنَّ بَعْثَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَمُلَ بِهَا الدِّينُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (٥: ٣) وَبِكَمَالِهِ تَكْمُلُ الْحَيَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute