الْبَشَرِيَّةُ الرُّوحِيَّةُ، وَيَتْلُوهَا كَمَالُ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَمَا بَعْدَ الْكَمَالِ إِلَّا الزَّوَالُ ; لِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي هَذَا الْعَالَمِ مُحَالٌ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيُّ السَّاعَةِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى أَنَّ الشَّهَوَاتِ الْمَادِّيَّةَ تَتَنَازَعُ مَعَ الْهِدَايَةِ الرُّوحِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهَا الْغَلَبُ زَمَنًا ثُمَّ تَنْتَصِرُ الْهِدَايَةُ الرُّوحِيَّةُ زَمَنًا قَصِيرًا، ثُمَّ يَغْلِبُ الضَّلَالُ وَالشَّرُّ وَالْفُجُورُ وَالْكُفْرُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اخْتِلَافًا وَتَعَارُضًا، وَمَا يُنَافِي حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي إِخْفَائِهَا، وَعَدَمِ اطِّلَاعِ الْخَلْقِ عَلَى وَقْتِهَا، وَبَعْضُهَا ظَاهِرٌ فِي قُرْبِ قِيَامِ سَاعَةِ دَوْلَةِ الْعَرَبِ أَوْ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي إِقْبَالِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا جَاءَ فِي صِفَةِ رَجُلٍ غَرِيبٍ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ; لِيُعَلِّمَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَيْفَ يَسْأَلُونَ عَنْ دِينِهِمْ - ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ قَالَ " فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " وَرَوَى هَذَا السُّؤَالَ وَحْدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ
الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رِعَاءُ الشَّاءِ رُؤُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْغَنَمِ فِي الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا " قِيلَ: مَعْنَى وِلَادَةِ الْأَمَةِ رَبَّتَهَا كَثْرَةُ السَّرَارِي وَأَوْلَادِ السَّبَايَا - وَكَانَ لِهَذَا طَوْرٌ عَظِيمٌ فِي الْفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ - وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ وَالْأُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ أَوْلَادِ السَّرَارِيِّ لَا مِنْ أَوْلَادِ بَنَاتِ الْبُيُوتَاتِ الْعَرِيقَةِ فِي حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَعُلُوِّ الْأَخْلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِصَيْرُورَةِ رِعَاءِ (بِالْهَمْزَةِ) أَيْ رُعَاةِ الْغَنَمِ وَأَهْلِ الْبَدَاوَةِ مِنْ أَصْحَابِ الثَّرْوَةِ وَالْبَذَخِ وَالْقُصُورِ الْعَالِيَةِ، أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ رُؤَسَاءٌ لِلنَّاسِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةُ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فِي أُمَّتِنَا وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَصَارَ بَعْضُ تَسَوُّدِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ وَأَمْثَالِهِمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَعْدُودًا فِي مَنَاقِبِهِ بَعْدَ فَسَادِ تَرْبِيَةِ كَثِيرٍ مِنْ أُسَرِ الْأَشْرَافِ وَالنُّبَلَاءِ وَاسْتِعْلَائِهِمْ عَلَى النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَمَارَاتِ زَوَالِ الدَّوْلَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَهُوَ يَظْهَرُ فِي عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْخَاصَّةِ لَا الْعَامَّةِ.
وَأَجْمَعُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّنَدِ فِيمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute