الدَّجَّالِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعَةُ آلَافِ امْرَأَةٍ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ. وَهَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَرْسَلَهُ ; وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ اهـ. وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي.
ثَالِثُهَا: وَهُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلُهُ، أَنَّ مَا عُزِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِقِ مُخَالِفٌ لِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لِسُنَّتِهِ تَعَالَى وَلَا تَحْوِيلَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُضْطَرِبَةُ الْمُتَعَارِضَةُ لَا تَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ وَلَا لِمُعَارَضَتِهَا.
رَابِعُهَا: اشْتِمَالُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مُخَالَفَةِ بَعْضِ الْقَطْعِيَّاتِ الْأُخْرَى مِنَ الدِّينِ كَتَخَلُّفِ أَخْبَارِ الرُّسُلِ أَوْ كَوْنِهَا عَبَثًا وَإِقْرَارِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُوَ مُحَالٌ فِي حَقِّهِمْ.
خَامِسُهَا: أَنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ تَعَارُضًا كَثِيرًا يُوجِبُ تَسَاقُطَهَا كَمَا تَرَى فِيمَا يَلِي. فَمِنْ ذَلِكَ التَّعَارُضِ أَنَّ بَعْضَهَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرَى مِنَ الْمُحْتَمَلِ ظُهُورَ الدَّجَّالِ فِي زَمَنِهِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ شَرَّهُ، وَبَعْضُهَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ لِبِلَادِ الرُّومِ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ (وَمِنْهُ) أَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِي ابْنِ صَيَّادٍ مَنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ أَمْ لَا؟ وَأَنَّهُ وَصَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ بِصِفَاتٍ لَا تَنْطَبِقُ عَلَى ابْنِ صَيَّادٍ كَمَا قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَمِنَ التَّعَارُضِ أَيْضًا أَنَّهُ يُصَرِّحُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ (أَيِ الدَّجَّالِ) جَبَلٌ أَوْ جِبَالٌ مَنْ خُبْزٍ وَنَهْرٌ أَوْ أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ وَعَسَلٍ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بِسَنَدِ رِجَالٍ ثِقَاتٍ مَعَ
مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: " مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهْرَ مَاءٍ. قَالَ: " بَلْ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جِبَالَ خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَنَهْرًا مِنْ مَاءٍ " وَقَدْ أَوَّلُوا هَذَا لِتَصْحِيحٍ ذَاكَ، وَيُتَأَمَّلُ قَوْلُ جَابِرٍ: " يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّكَ قُلْتَ هَذَا.
وَمِنَ التَّعَارُضِ أَيْضًا مَا وَرَدَ مِنِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ فَفِي بَعْضِ الرِّوَيَاتِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ عَلَى الْإِبْهَامِ. وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَفِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْرٍ أَوْ قَصْرٍ فِي جَزِيرَةِ بَحْرِ الشَّامِ - أَيِ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ فِي الشَّمَالِ - أَوْ بَحْرِ الْيَمِينِ وَهُوَ فِي الْجَنُوبِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَقَدْ حَاوَلَ شُرَّاحُ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَجَاءُوا بِأَجْوِبَةٍ مُتَكَلَّفَةٍ رَدَّهَا الْمُحِقُّونَ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا، وَفِيهَا مِنَ الْمُشْكِلَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute