للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (١٦: ٩٨، ٩٩) إِلَخْ.

وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ آيَاتِ التَّشْرِيعِ وَالتَّأْدِيبِ مُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ مَا مُكَلَّفٍ يَبْلُغُهُ وَأَوَّلُهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ هُنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ (٦: ٦٨) الْآيَةَ. فَقَدِ اخْتَلَفَ مُفَسِّرُوهَا فِي تَرْجِيحِ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ فِيهَا. وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ آيَةَ الْأَعْرَافِ هَذِهِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ فِيهَا أَنَّ الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي فِيهِ الْوُجُوهُ الْأُخْرَى فِي مِثْلِهَا، وَلَكِنَّ نَزْغَ الشَّيْطَانِ أَقْوَى مِنْ إِنْسَائِهِ وَمِنْ مَسِّهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، فَالْمُخْتَارُ عِنْدِي الْآنَ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَذَكَرْتُ فِي الْكَلَامِ هُنَالِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَهُوَ سِيَاقٌ طَوِيلٌ يُرَاجَعُ هُنَالِكَ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ (فُصِّلَتْ) مِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ آيَةٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ فِي آخِرِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَكِنْ بِتَعْرِيفِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ (٤١: ٣٦) وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَّةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٧: ٢٠٠) وَقَالَ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ (فُصِّلَتْ) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤١: ٣٦) لِلسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ: لِأَيِّ مَعْنًى جَاءَ فِي الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ " سَمِيعٌ عَلِيمٌ " عَلَى لَفْظِ النَّكِرَةِ، وَفِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ مُعَرَّفَتَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مُؤَكَّدَتَيْنِ بِـ " هُوَ "؟ (وَالْجَوَابُ) أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي فَاصِلَةٍ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْفَوَاصِلِ أَفْعَالُ جَمَاعَةٍ أَوْ أَسْمَاءٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْأَفْعَالِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ (٧: ١٩) وَبَعْدَهُ يُخْلَقُونَ، وَيُنْصَرُونَ، وَيُبْصِرُونَ، وَالْجَاهِلِينَ، فَأُخْرِجَتْ هَذِهِ الْفَاصِلَةُ بِأَقْرَبِ أَلْفَاظِ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَدِّيَةِ مَعْنَى الْفِعْلِ أَعْنِي النَّكِرَةَ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى: اسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ اسْتِعَاذَتَكَ وَيَعْلَمُ اسْتَجَارَتَكَ، وَالَّتِي فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ قَبْلَهَا فَوَاصِلُ يُسْلَكُ بِهَا طَرِيقُ الْأَسْمَاءِ، وَهِيَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٤١: ٣٤، ٣٥) فَقَوْلُهُ: وَلِيٌّ حَمِيمٌ لَيْسَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ لَيْسَ فِي الْحَظِّ مَعْنَى فِعْلٍ، فَأَخْرَجَ " سَمِيعٌ عَلِيمٌ " بَعْدَ الْفَوَاصِلِ الَّتِي هِيَ عَلَى سُنَنِ الْأَسْمَاءِ عَلَى لَفْظٍ يَبْعُدُ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي يُؤَدِّي مَعْنَى الْفِعْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>