للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (١٧: ٣٢) فَتَرَدَّدَ وَانْكَمَشَ ثُمَّ سَاوَرَتْهُ ثَوْرَةُ الْغُلْمَةِ تُهَوِّنُ لَهُ الْأَمْرَ، وَلَجَّ بِهِ الْوَسْوَاسُ: هَلُمَّ هَلُمَّ، فَقَوِيَ سُلْطَانُ الْآيَةِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى صَارَ قَلْبُهُ يَتْلُو بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ بِأُذُنَيْهِ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (١٧: ٣٢) قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ بِيَدِي فَوْقَ صَدْرِي هَكَذَا - يَعْنِي يَمْسَحُهُ كَمَنْ يُنَحِّي عَنْهُ شَيْئًا - أُحَاوِلُ أُسْكِتُ قَلْبِي فَلَمْ أَسْتَطِعْ إِسْكَاتَهُ، فَتَوَلَّيْتُ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَحَفِظَنِي اللهُ بِذِكْرِ الْآيَةِ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَلَهُ الْحَمْدُ.

وَأَقُولُ تَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَبْلُغْ مِنِّي غِرَّةً يَدْعُونِي فِيهَا إِلَى الْفَاحِشَةِ قَطُّ، فَمَا ذَكَرْتُهُ فِي مَقْصُورَتِي فِي سِيَاقِ حَادِثَةِ امْتِحَانٍ امْتَحَنَنِي اللهُ تَعَالَى بِهَا، قَدِ اسْتَمَرَّ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى مِنْ سِنِّ الشَّبَابِ إِلَى سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ، وَأَسْأَلُهُ بِفَضْلِهِ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ. وَذَلِكَ قَوْلِي فِي فَتَاةٍ بَارِعَةِ الْجَمَالِ طَلَبَتْ مِنِّي أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَى صَدْرِهَا أَرْقِيهِ:

وَرُبَّ مَلْدَاءَ خَمِيصَةُ الْحَشَا ... بَهْنَانَةٌ تَرْنُو بِأَلْحَاظِ اللَّأَى

رَقْرَاقَةٌ شَفَّ زُجَاجُ وَجْهِهَا ... عَنْ ذَوْبِ يَاقُوتٍ وَرَاءَهُ جَرَى

خَاشِعَةُ اللِّحَاظِ وَالطَّرْفِ أَتَتْ ... تَلْتَمِسُ الدُّعَاءَ مِنِّي وَالرُّقَى

أَوَّاهُ يَا مَوْلَايَ صَدْرِي ضَاقَ عَنْ ... قَلْبِي وَمَا يَفِيضُ عَنْهُ مِنْ جَوَى

فَضَعْ عَلَيْهِ يَدَكَ الَّتِي بِمَا ... بَارَكَ فِيهَا اللهُ تُبْرِئُ الضَّنَى

أَنْتَ فَتًى خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ... مَا زَالَ يَنْهَى نَفْسَهُ عَنِ الْهَوَى

لَمْ يَقْتَرِفْ فَاحِشَةً قَطُّ وَلَمْ ... يَعْزِمْ وَلَا هَمَّ بِهَا وَلَا نَوَى

بِغُرَّةٍ مِنْهَا وَحُسْنِ نِيَّةٍ ... فِي مَعْزِلِ تَشَهِّيهِ أَقْصَى مَا اشْتَهَى

مِمَّا يُمَنِّيهِ بِهِ شَيْطَانُهُ ... مِنْ حَيْثُ لَا يَطْمَعُ مِنْهُ فِي خَنَا

لَكِنَّهُ اسْتَعْصَمَ رَاوِيًا لَهَا ... مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَمَا نَهَى

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي (١٢: ٥٣) مِمَّا دُونَ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَهُوَ اللَّمَمُ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢: ٥٣) وَلَا أَعُدُّ مِنَ اللَّمَمِ حُضُورَ الْمَرَاقِصِ النِّسَائِيَّةِ وَمَلَاهِيهَا، فَأَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّ نَفْسِي لَمْ تُطَالِبْنِي بِحُضُورِهَا يَوْمًا مَا، وَلَمْ يَجِدْ شَيْطَانُ الْجِنِّ مِنْ نَفْسِي مَيْلًا إِلَيْهَا فَيُزَيِّنُهَا لِي بِوَسْوَسَتِهِ، وَلَكِنْ دَعَانِي إِلَيْهَا بَعْضُ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ; لِأَجْلِ اخْتِبَارِهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا عَلَى مَعْرِفَةٍ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ لِلدَّاعِي: حَسْبُكَ مِنْ شَرٍّ سَمَاعُهُ، عَلَى أَنَّنِي رَأَيْتُ نَمُوذَجًا مِنْ أَهْوَنِهَا عَرَضًا لَا قَصْدًا إِلَيْهَا، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ مَلَاهِي تَمْثِيلِ الْقِصَصِ التَّارِيخِيَّةِ أَوِ الْوَصْفِيَّةِ فِي لَيْلَةٍ خَيْرِيَّةٍ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ بِاسْتِحْدَاثِ ذَلِكَ فِيهَا، وَأَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّنِي مَقَتُّهَا عَلَى غَرَابَةِ الصَّنْعَةِ وَالزِّينَةِ فِيهَا، وَخَرَجْتُ مِنَ الْمَكَانِ وَآلَيْتُ أَلَّا أَعُودَ إِلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>