(٨) أَمْرُهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنْ يَعْتَزَّ بِأَنَّهُ هُوَ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ، وَبِأَنَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ فَلَا خَوْفَ عَلَى أَتْبَاعِهِ مِنِ اضْطِهَادِ الْكُفَّارِ لَهُمْ، وَهُوَ فِي الْآيَةِ ١٩٦ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى.
(٩) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ ١٨: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ الْآيَةَ. وَهِيَ تَفْنِيدٌ لِرَمْيِ بَعْضِ مُشْرِكِي مَكَّةَ إِيَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُنُونِ، يَعْنِي أَنَّ التَّفَكُّرَ الصَّحِيحَ فِي حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَهَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ، وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْهُدَى يَنْفِي أَنْ يَكُونَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى مَسٍّ مِنَ الْجُنُونِ كَمَا زَعَمُوا، فَمَا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَتَفَكَّرُوا (رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي مَحَلِّهِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ)
(١٠) بَيَانُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطَ عِلْمَ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، وَمَتَى تَقُومُ، بَلْ هُوَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الْخَاصِّ بِاللهِ تَعَالَى وَذَلِكَ نَصُّ الْآيَةِ ١٨٧.
(١١) بَيَانُ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ - أَيْ وَلَا لِغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى - نَفْعًا وَلَا ضَرًّا - إِلَّا مَا مَكَّنَهُ اللهُ مِنْهُ بِتَسْخِيرِ الْأَسْبَابِ مِنَ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ - وَبَيَانُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ مُؤَيِّدًا بِالدَّلِيلِ الْحِسِّيِّ وَالْعَقْلِيِّ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي مَحَلِّهِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.
(١٢) بَيَانُ عُمُومِ بَعْثَتِهِ، وَشُمُولِ رِسَالَتِهِ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ فِي كُتُبِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ حَذْفُ مَفْعُولِ لِتُنْذِرَ بِهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ الْخِطَابُ الْعَامُّ بَعْدَهُ فِي الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ النَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ. وَالنَّصُّ فِي إِرْسَالِهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ رَحْمَتَهُ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (١٥٧) إِلَخْ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا نُصُوصَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِيهَا (ص ١٩٩ - ٢٥٥ ج ٩ ط. الْهَيْئَةِ) .
وَأَمَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ فِي عُمُومِ الرِّسَالَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (١٥٨) الْآيَةَ، وَكَذَا كُلُّ خِطَابٍ خُوطِبَ بِهِ بَنُو آدَمَ فِي الْآيَاتِ
٢٦ و٢٧ و٣١ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ آيَاتِ التَّشْرِيعِ الْعَامِّ، وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أُمَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَأُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي الِاشْتِرَاكِ الْعَامِّ مَا تَرَى فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ.
مَا وَرَدَ فِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ وَالرُّسُلِ
(١٣) بِعْثَةُ الرُّسُلِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي آدَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي (٣٥) إِلَخْ. وَيَدُلُّ عَلَى إِرْسَالِهِمْ إِلَى الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا (٤) إِلَى آخَرِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ. فَالْمُرَادُ بِالْقُرَى الْكَثِيرَةِ أُمَمُ الرُّسُلُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.