قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: " اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ " فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٥٤: ٤٥) وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَكَاثَرَهُمْ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَقَلَّهُمْ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ: اللهُمَّ لَا تُودِعْ مِنِّي، اللهُمَّ لَا تَخْذُلْنِي، اللهُمَّ لَا تَتِرَنِي، اللهُمَّ أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي " وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ أَتَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي ".
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ مَا ظَهَرَ مِنْ خَوْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ وَعْدِ اللهِ لَهُ بِالنَّصْرِ عَامًّا وَخَاصًّا وَمِنْ طُمَأْنِينَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ لَيْلَةَ الْغَارِ إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا مُتَوَكِّلًا عَلَى رَبِّهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَائِفًا وَجِلًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٩: ٤٠) .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَوْثَقَ بِرَبِّهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، بَلِ الْحَامِلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ شَفَقَتُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَقْوِيَةُ قُلُوبِهِمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدُوهُ، فَبَالَغَ فِي التَّوَجُّهِ وَالدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ; لِتَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَسِيلَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ مَا قَالَ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ اسْتُجِيبَ لَهُ لَمَّا وَجَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فَلِهَذَا عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
" وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ، وَهُوَ أَكْمَلُ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، وَجَازَ عِنْدَهُ أَلَّا يَقَعَ النَّصْرُ يَوْمَئِذٍ; لِأَنَّ وَعْدَهُ بِالنَّصْرِ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجْمَلًا. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ، وَزَلَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الصُّوفِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَلَلًا شَدِيدًا فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ أَشَارَ إِلَيْهِ. اهـ مَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَهُوَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَحْسَنَ مِنْهُ عَلَى سَعَةِ اطِّلَاعِهِ.
وَأَقُولُ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَقَاصِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّعَاءِ يَوْمَئِذٍ تَقْوِيَةُ قُلُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute