للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْغُلُوِّ فِي التَّشَيُّعِ تَفْرِيقَ كَلِمَةِ الْعَرَبِ، وَضَرْبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِإِسْقَاطِ مُلْكِهِمْ، وَلَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ الْغُلَاةُ يَلْعَنُونَ سَيِّدَنَا عُمَرَ الْخَلِيفَةَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَزِيدُ آلَ الْبَيْتِ عَلَى الْخُمُسِ، وَيُفَضِّلُهُمْ حَتَّى عَلَى أَوْلَادِهِ، بَلْ لَمَّا كَانَ الدِّينُ هُوَ الْجَامِعُ لِكَلِمَةِ الْعَرَبِ حَاوَلُوا إِفْسَادَهُ أَيْضًا بِغُلُوِّهِمْ وَتَعَالِيمِهِمِ الْبَاطِنِيَّةِ كَمَا فَصَّلْنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ تَفْصِيلًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْمَنَارِ، وَكَذَا فِي التَّفْسِيرِ - فَفَقَدَتِ الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ بِعَدَمِ وَضْعِ نِظَامٍ لِلْإِمَامَةِ، وَبِعَدَمِ كَفَالَةِ الدَّوْلَةِ لِآلِ بَيْتِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وُجُودَ طَائِفَةٍ مُنَظَّمَةٍ تَتَرَبَّى عَلَى آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعُلْيَا وَعُلُومِهِ وَتَكَلُّفِ الدِّفَاعَ عَنْهُ، مَعَ اتِّقَاءِ فِتْنَتِهَا بِنَفْسِهَا، وَافْتِتَانِ النَّاسِ بِهَا بِالنِّظَامِ الْكَافِلِ لِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ سَهُلَ عَلَى الْأَعَاجِمِ سَلْبُ مُلْكِهَا، وَالْعَبَثُ بِدِينِهَا وَدُنْيَاهَا - وَحُرِمَتْ فَائِدَةَ سِيَادَةِ السَّرَوَاتِ وَالنُّبَلَاءِ، وَلَمْ تَسْلَمْ مِنْ فِتْنَتِهِمْ، فَقَدِ اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْمُبْتَدِعُونَ آلَ الْبَيْتِ أَوْثَانًا، كَمَا اتَّخَذَ الْجَاهِلُونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَعُلُوجُ الْأَعَاجِمِ خُلَفَاءَ وَمُلُوكًا، فَجَمَعُوا بَيْنَ شَرَّيْ مَفَاسِدِ الْغُلُوِّ فِي عَظَمَةِ النُّبَلَاءِ (الْأُرُسْتُقْرَاطِيَّةِ) شَرَّهَا الدِّينِيِّ وَشَرَّهَا الدُّنْيَوِيِّ، وَدَاسُوا الْمُسَاوَاةَ الْإِسْلَامِيَّةَ الْمُعْتَدِلَةَ (الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ) .

وَأَمَّا الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَدُوَلُ هَذَا الْعَصْرِ لَا تَجْعَلُ لَهُمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِ الدَّوْلَةِ بِهَذِهِ الْعَنَاوِينِ وَالْأَلْقَابِ، وَلَكِنَّ الدُّوَلَ الْمُنَظَّمَةَ الَّتِي تُعْنَى بِأُمُورِ الشَّعْبِ تُخَصِّصُ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ أَعْمَالًا يُرْزَقُونَ مِنْهَا مَالًا يَكْفِيهِمْ. وَبَعْضُ الْحُكُومَاتِ تُعْطِي هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجِينَ إِعَانَاتٍ مِنَ الْأَوْقَافِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي تَتَوَلَّى أَمْرَ اسْتِغْلَالِهَا، وَإِنْفَاقَ رِيعِهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ.

هَذَا هُوَ الْمُدْرَكُ الظَّاهِرُ لِقِسْمَةِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَتَوْجِيهٌ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ نُظُمِ بَعْضِ

حُكُومَاتِ الْعَصْرِ، وَقَدْ تَوَسَّعَ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ لِمَصَارِفِ الْخُمُسِ وَغَيْرِ الْخُمُسِ مِنْ أَمْوَالِ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْعَلَّامَةُ الْهِنْدِيُّ الْأَكْبَرُ، الْمُلَقَّبُ بِمُجَدِّدِ الْأَلْفِ الثَّانِي عَشَرَ، الشَّيْخُ وَلِيُّ اللهِ الدَّهْلَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَمْوَالَ الْمَأْخُوذَةَ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا حُصِّلَ مِنْهُمْ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَاحْتِمَالِ أَعْبَاءِ الْقِتَالِ وَهُوَ الْغَنِيمَةُ، وَمَا حُصِّلَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ تُجَّارِهِمْ، وَمَا بَذَلُوا صُلْحًا أَوْ هَرَبُوا عَنْهُ فَزَعًا. فَالْغَنِيمَةُ تُخَمَّسُ، وَيُصْرَفُ الْخُمُسُ إِلَى مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَيُوضَعُ سَهْمُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعْدَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالْغَنِيِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَعِنْدِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامَ فِي تَعْيِينِ الْمَقَادِيرِ، وَكَانَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يَزِيدُ فِي فَرْضِ آلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُعِينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>