لَهُ وَهُمْ كَنَفَيْهِ: يَا سَعْدُ أَجْمِلْ إِلَى مَوَالِيكَ، فَأَحْسِنْ فِيهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ حَكَّمَكَ فِيهِمْ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلَّا تَأْخُذَهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَعَى إِلَيْهِمُ الْقَوْمَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ لِلصَّحَابَةِ: " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ " فَلَمَّا أَنْزَلُوهُ. قَالُوا: يَا سَعْدُ، هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكِ. قَالَ: وَحُكْمِي نَافِذٌ عَلَيْهِمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا؟ وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، قَالَ: " نَعَمْ وَعَلَيَّ " قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الرِّجَالُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَتُقَسَّمَ الْأَمْوَالُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ " وَأَسْلَمَ مِنْهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ نَفَرٌ قَبْلَ النُّزُولِ. وَهَرَبَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ فَانْطَلَقَ فَلَمْ يُعْلَمْ أَيْنَ ذَهَبَ، وَكَانَ قَدْ أَبَى الدُّخُولَ مَعَهُمْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، فَلَمَّا حُكِمَ فِيهِمْ بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ أُلْحِقَ بِالذُّرِّيَّةِ، فَحَفَرَ لَهُمْ خَنَادِقَ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَكَانُوا مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنَ النِّسَاءِ أَحَدًا سِوَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ طَرَحَتْ عَلَى رَأْسِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ رَحًى فَقَتَلَتْهُ " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ فُصُولِ الْهَدْيِ بِحُرُوفِهِ مَعَ حَذْفِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي قُرَيْظَةَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنْ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَّمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. إِلَّا أَنْ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا. وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ (وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ) وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ اهـ. وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٩: ٣ و٤) .
ثُمَّ إِنَّ كُلَّ هَذَا لَمْ يَعِظْ يَهُودَ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَزْجُرْهُمْ عَنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْكَيْدِ لَهُ، بَلْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمُ السَّعْيُ لِتَأْلِيفِ الْأَحْزَابِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ لِقِتَالِهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَانُوا سَبَبَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ الَّتِي زُلْزِلَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا زِلْزَالًا شَدِيدًا كَمَا وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَسَنَحَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ فُرْصَةُ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ شَرِّهِمْ بَعْدَ صُلْحِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، فَغَزَاهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute