للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أُصُولِ الْعَقَائِدِ الْإِيمَانِيَّةِ، وَقَوَاعِدِ التَّشْرِيعِ الْعَامَّةِ الْمُجْمَلَةِ، كَمَا تَكْثُرُ فِي بَعْضِهَا مُحَاجَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَبَيَانُ مَا ضَلُّوا فِيهِ عَنْ هِدَايَةِ كُتُبِهِمْ وَرُسُلِهِمْ، وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِخَاتَمِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَفِي بَعْضِهَا بَيَانُ ضَلَالَةِ الْمُنَافِقِينَ وَمَفَاسِدِهِمْ كَمَا يَرَى الْقَارِئُ لِلسُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ الطُّوَالِ الْأَرْبَعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ يُقَابِلُ مَا فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ مِنْ بَيَانِ بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَغَوَايَةِ أَهْلِهِ.

فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَكْثُرُ مُحَاجَّةُ الْيَهُودِ، وَفِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ تَكْثُرُ مُحَاجَّةُ النَّصَارَى، وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ تَكْثُرُ مُحَاجَّةُ الْفَرِيقَيْنِ، وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ تَكْثُرُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُنَافِقِينَ، وَيَلِيهَا فِي فَضَائِحِ الْمُنَافِقِينَ سُورَةُ التَّوْبَةِ الْآتِيَةُ. وَتَكْثُرُ فِي هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ أَحْكَامُ الْقِتَالِ، كَمَا تَكْثُرُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (سُورَةِ الْأَنْفَالِ) .

الْبَابُ الْأَوَّلُ

(فِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَشُئُونِهِ فِي خَلْقِهِ وَحُقُوقِهِ وَحُكْمِهِ فِي عِبَادِهِ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فَصُولٍ)

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ

(١) الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ:

فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ: الْعَلِيُّ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَالْمَوْلَى وَالنَّصِيرُ، وَالْبَصِيرُ، وَالْقَدِيرُ، وَالْعَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَكُلُّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَغَيْرِهَا يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ مُفْرَدًا أَوْ مُقْتَرِنًا بِغَيْرِهِ فِي الْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَوْضُوعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَيُفَسَّرُ فِي مَوْضِعِهِ، وَمُفَسِّرُوا الْمَذَاهِبِ الْكَلَامِيَّةِ وَغَيْرِهَا يَتَأَوَّلُونَ بَعْضَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ لِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَبَيَّنَّا فِيهِ وَفِي مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي إِمْرَارِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، كَمَا وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ تَأْوِيلٍ لَهَا يُخْرِجُهَا عَنِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنَ السِّيَاقِ مَعَ الْجَزْمِ بِتَنْزِيهِهِ تَعَالَى فِيهَا عَنْ شِبْهِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا لِلْخَلَفِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي حَمَلَهُمْ عَلَيْهَا مُحَاوَلَةُ التَّقَصِّي مِنَ التَّشْبِيهِ، وَتَحْقِيقُ الْحَقِّ فِي كُلِّ مَقَامٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَ إِثْبَاتِ النُّصُوصِ وَالتَّنْزِيهِ. وَقَدْ تُذْكَرُ بَعْضُ التَّأْوِيلَاتِ لِلضَّرُورَةِ.

(٢) الْمَعِيَّةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالْعِنْدِيَّةُ:

مِمَّا تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِثْبَاتُ إِضَافَةِ الْمَعِيَّةِ إِلَيْهِ تَعَالَى، أَيْ كَوْنُهُ مَعَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ - وَهِيَ مِمَّا وَرَدَ تَأْوِيلُهُ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ مُتَكَلِّمُوا الْخَلَفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَا كَمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ تَحْقِيقَ قَاعِدَةِ السَّلَفِ فِيهَا وَتَرَاهَا فِي آيَاتٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ - أَوَّلِهَا - إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي

مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (٨: ١٢) أَيْ: إِنِّي أُعِينُكُمْ عَلَى تَنْفِيذِ

<<  <  ج: ص:  >  >>