للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٥) مَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ فِي الْآيَةِ ١١ وَهُوَ إِذْهَابُ رِجْزِهِ وَوَسْوَسَتِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي تَفْسِيرِهِ (ص ٥٠٨ وَمَا بَعْدَهَا ج ٩ ط الْهَيْئَةِ) وَفِي الْآيَةِ ٤٨ مِنْ تَزْيِينِهِ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقِتَالِهِ وَوَعْدِهِ لَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالْجِوَارِ فَبَرَاءَتِهِ مِنْهُمْ، وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ الْمَعْقُولَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ.

الْبَابُ الرَّابِعُ

(فِي الْإِيمَانِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِ أَهْلِهِ وَفِيهِ فَصْلَانِ)

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

فِي الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ وَفِيهِ ١٨ أَصْلًا

(الْأَصْلُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْإِيمَانَ الصَّادِقَ يَقْتَضِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنْ تَقْوَى اللهِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِوَحْيِهِ إِلَى رَسُولِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ الَّذِي يَبْعَثُ فِيهِ الْمَوْتَى وَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ. يَجِدُ فِي نَفْسِهِ دَاعِيَةً لِمَا ذَكَرَ، وَهِيَ مَجَامِعُ الْخَيْرِ وَالْهُدَى لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ، وَفِي النِّظَامِ الْعَامِّ لِلْأُمَّةِ وَالدَّوْلَةِ، وَهُوَ الشَّرْعُ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ وَبَيَّنَهُ رَسُولُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْحُكْمِ. سَوَاءٌ أَكَانَ حُكْمُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالِاجْتِهَادِ أَوِ النَّصِّ. وَهَذَا مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْطِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي تَفْسِيرِهَا. وَمِنْهُ أَنَّ طَاعَةَ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّادِ عَسْكَرِهِ وَأُمَرَائِهِ وَاجِبٌ بِالتَّبَعِ لِطَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (٤: ٥٩) .

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤْمِنِ فَلَا يَجِدُ مِنَ الْوَازِعِ وَالْبَاعِثِ فِي نَفْسِهِ مَا يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ، وَلَا يَرْجُو وَيَخَافُ مَا يَرْجُوهُ الْمُؤْمِنُ وَيَخَافُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنَّمَا يَرْجُو مِنَ النَّاسِ أَنْ يَمْدَحُوهُ أَوْ يُعِينُوهُ، وَيَخَافُهُمْ أَنْ يَذُمُّوهُ أَوْ يَعِيبُوهُ، وَيَخْشَى الْحُكَّامَ أَنْ يَحْتَقِرُوهُ أَوْ يُعَاقِبُوهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا تَعَالَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يَكُونُ لِإِيمَانِهِمْ مِثْلَ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ الثَّلَاثِ هُمُ الَّذِينَ يَتَحَقَّقُونَ بِالصِّفَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي قَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهَا. أَوْ قَصَرَهُمُ الْإِيمَانُ فِي خِيَامِهَا، إِذْ قَالَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: يَتَوَكَّلُونَ وَكُلٌّ مِنْهَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي هَذَا الْبَابِ فَنَذْكُرُهَا بِتَرْتِيبِهَا.

(الْأَصْلُ الثَّانِي) أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقِ أَنْ يَوْجَلَ قَلْبُهُ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالْوَجَلُ اسْتِشْعَارُ الْمَهَابَةِ وَالْجَلَالِ، أَوِ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ يَبْعَثُ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الذِّكْرِ نَوْعًا مِنْهَا، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَعْلَى أَنْوَاعِهِ شُعُورُ الْمَهَابَةِ وَالْعَظَمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>