(السُّنَّةُ السَّادِسَةُ) كَوْنُ التَّقْوَى وَالْحَذَرِ فِي الْأَعْمَالِ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ فِي الشُّئُونِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنِ اجْتِمَاعِيَّةٍ وَشَخْصِيَّةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ، تُكْسِبُ صَاحِبَهَا مَلَكَةً يُفَرِّقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ، فَيَجْرِي فِي أَعْمَالِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ ذَلِكَ فِي تَرْجِيحِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُنَّ، إِلَّا فِيمَا عَسَاهُ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ جَهَالَةٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إِذَا ذُكِّرَ أَوْ تَذَكَّرَ. قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا (٨: ٢٩) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا وَتَحْقِيقَ مَا تَكُونُ فِيهِ التَّقْوَى مِنْ أَنْوَاعِهَا، وَأَنْوَاعِ الْفُرْقَانِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَتُهَا فِي (ص٥٣٧ - ٥٤٠ ج ٩ ط الْهَيْئَةِ) .
(السُّنَّةُ السَّابِعَةُ) التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ مِنَ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ كَمَا نَصَّ فِي الْآيَةِ ٣٧، وَفِي مَعْنَاهَا آيَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ، وَذَكَرْنَا أَرْقَامَهَا وَأَرْقَامَ سُوَرِهَا فِي تَفْسِيرِهَا وَقُلْنَا فِيهِ: إِنَّ هَذَا التَّمْيِزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ يُوَافِقُ مَا يُسَمَّى فِي هَذَا الْعَصْرِ بِسُنَّةِ الِانْتِخَابِ الطَّبِيعِيِّ، وَرُجْحَانِ أَمْثَلِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَغَلَبِ أَفْضَلِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَوْ بَقَاؤِهِ.
(السُّنَّةُ الثَّامِنَةُ) كَوْنُ تَغْيِرِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، وَتَنَقُّلِهَا فِي الْأَطْوَارِ مِنْ نِعَمٍ وَنِقَمٍ، أَثَرًا طَبِيعِيًّا فِطْرِيًّا لِتَغْيِيرِهَا مَا بِأَنْفُسِهَا مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمَلَكَاتِ الَّتِي تَطْبَعُهَا فِي الْأَنْفُسِ الْعَادَاتُ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَعْمَالُ، وَالنَّصُّ الْقَطْعِيُّ فِيهَا قَوْلُهُ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (٥٣) . وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِي بَيَانِهَا تَفْصِيلًا (فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ) . (السُّنَّةُ التَّاسِعَةُ) كَوْنُ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، وَاسْتِقْرَارِ السُّلْطَانِ فِيهَا بِالْقُوَّةِ
الْكَافِيَةِ يَقْتَضِي اجْتِنَابَ مَا يُعَارِضُهُ، وَيَحُولُ دُونَ حُصُولِهِ وَتَحَقُّقِهِ، كَاتِّخَاذِ الْأَسْرَى مِنَ الْأَعْدَاءِ وَمُفَادَاتِهِمْ بِالْمَالِ فِي حَالِ الضَّعْفِ. كَمَا يَأْتِي فِي الْقَاعِدَةِ ٢٢ مِنَ الْبَابِ السَّابِعِ.
(السُّنَّةُ الْعَاشِرَةُ) كَوْنُ وِلَايَةِ الْأَعْدَاءِ مِنْ دُونِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ أَعْظَمِ مَثَارَاتِ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ فِي الْأُمَّةِ، وَالِاخْتِلَالِ وَالِانْحِلَالِ فِي الدَّوْلَةِ، كَوِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّصْرَةِ وَالْقِتَالِ لِلْكَافِرِينَ الَّذِي يُوَالِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُرُوبِ، وَلَا سِيَّمَا الَّتِي مَثَارُهَا الْخِلَافُ الدِّينِيُّ، وَشَوَاهِدُ هَذِهِ السُّنَّةِ فِي التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ وَغَيْرِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ الَّتِي أَزَالَتِ الدُّوَلَ الْإِسْلَامِيَّةَ الْكَثِيرَةَ، وَآخِرُهَا الدَّوْلَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ الْجَاهِلَةُ الَّتِي كَانَتْ تَتَدَاعَى عَلَيْهَا الْأُمَمُ الْأُورُبِّيَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ فَيَتَّفِقُونَ عَلَى قِتَالِهَا إِلَّا عِنْدَ تَعَارُضِ مَصَالِحِهِنَّ فِيهَا. فَرَاجِعْ أَحْكَامَ الْوِلَايَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ آيَةِ ٧٢ - ٧٥ وَالنَّصُّ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ وَتَجِدُ تَفْسِيرَهَا خَاصَّةً فِيمَا سَبَقَ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.
(السُّنَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) مَا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وَالْوِجْدَانِ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ ذَا قُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ وَصَلَاحٍ وَفَسَادٍ، وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute