للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا، فَإِنَّ نَصْرَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الْكَثِيرَةِ لَمْ يَكُنْ بِقُوَّةِ عَصَبِيَّةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا بِقُوَّةِ الْمَالِ، وَمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الزَّادِ وَالْعَتَادِ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ وَالثَّرْوَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِثْلُهُ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ السِّيَادَةِ وَالْمُلْكِ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مِنَ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَدْوَمُ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ.

وَالْمُوَاطِنُ جَمْعُ مَوْطِنٍ، وَهِيَ مَشَاهِدُ الْحَرْبِ وَمَوَاقِعُهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَقَرُّ الْإِنْسَانِ وَمَحَلُّ إِقَامَتِهِ كَالْوَطَنِ. وَوَصَفَهَا بِالْكَثِيرَةِ; لِأَنَّهَا تَشْمَلُ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَكْثَرَ سَرَايَاهُ الَّتِي أَرْسَلَ فِيهَا بَعْضَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْغَزْوَةِ - وَمِثْلُهَا الْغَزَاةُ وَالْمَغْزَى - إِلَّا عَلَى مَا تَوَلَّاهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِنَفْسِهِ مِنْ قَصْدِ الْكُفَّارِ إِلَى حَيْثُ كَانُوا مِنْ بِلَادِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا.

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. وَسَأَلَهُ: كَمْ غَزَا مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ: كَذَا قَالَ، وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ. فَعَلَى هَذَا، فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا، وَلَعَلَّهَا الْأَبْوَاءُ وَبُوَاطٍ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ اهـ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ فِي ثَمَانٍ: بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ، (قَالَ) وَأَهْمَلَ غَزْوَةَ قُرَيْظَةَ ; لِأَنَّهُ ضَمَّهَا إِلَى الْأَحْزَابِ; لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي أَثَرِهَا، وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ لِوُقُوعِهَا مُنْفَرِدَةً بَعْدَ هَزِيمَةِ الْأَحْزَابِ. وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ عَدُّ الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً لِتَقَارُبِهِمَا، فَيَجْتَمِعُ عَلَى هَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَوْلُ جَابِرٍ. وَقَدْ تَوَسَّعَ ابْنُ سَعْدٍ فَبَلَغَ عَدَدُ الْمَغَازِي الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْوَاقِدَيَّ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا عَدَّهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ وَادِيَ الْقُرَى مِنْ خَيْبَرَ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ، وَكَأَنَّ السِّتَّةَ الزَّائِدَةَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. إِلَخْ. وَوَضَّحَ الْحَافِظُ هَذَا الْبَسْطَ مِنْ جَانِبٍ، وَتَدْخُلُ بَعْضُ الْمَغَازِي الْمُتَقَارِبَةِ فِي بَعْضٍ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَكَانَ خَيْرَ جَمْعٍ بَيْنَ الْأَقْوَالِ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْبُعُوثُ وَالسَّرَايَا فَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>