ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ (كَذَا) وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ سِتًّا وَخَمْسِينَ، وَعِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ سِتِّينَ، وَبَلَغَهَا شَيْخُنَا زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينَ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ضَمَّ الْمَغَازِي إِلَيْهَا. اهـ. وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُغَازِيَ وَالسَّرَايَا كُلَّهَا ثَمَانُونَ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا كُلُّهَا قِتَالٌ فَيُقَالُ إِنَّهُ تَعَالَى نَصَرَهُمْ فِيهَا، كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ تَعَالَى نَصَرَهُمْ فِي كُلِّ قِتَالٍ إِمَّا نَصْرًا عَزِيزًا مُؤَزَّرًا كَامِلًا وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَلَاسِيَّمَا بَدْرٌ وَالْخَنْدَقُ وَغَزَوَاتُ الْيَهُودِ وَالْفَتْحُ، وَإِمَّا نَصْرًا مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ التَّرْبِيَةِ عَلَى ذُنُوبٍ اقْتَرَفُوهَا كَمَا وَقَعَ فِي أُحُدٍ إِذْ نَصَرَهُمُ اللهُ أَوَّلًا، ثُمَّ أَظْهَرَ الْعَدُوَّ عَلَيْهِمْ بِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ الْقَائِدِ الْأَعْظَمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ مِنْ أَهَمِّ أَوَامِرِ الْحَرْبِ، وَهُوَ حِمَايَةُ الرِّمَايَةِ لِظُهُورِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَتَفْسِيرِهَا - وَكَمَا
كَانَ فِي حُنَيْنٍ مِنَ الْهَزِيمَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمَعْرَكَةِ، وَالنَّصْرِ الْعَزِيزِ التَّامِّ فِي آخِرِهَا، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْ: وَنَصَرَكُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا، وَهُوَ وَادٍ إِلَى جَانِبِ ذِي الْمَجَازِ قَرِيبٌ مِنَ الطَّائِفِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا مِنْ جِهَةِ عَرَفَاتٍ، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ سِتَّ لَيَالٍ. وَعَنِ الْوَاقِدِيِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ. وَفِي رُوحِ الْمَعَانِي لِلْآلُوسِيِّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الطَّائِفِ. وَتُسَمَّى هَذِهِ الْغَزْوَةُ أَوْطَاسًا وَغَزْوَةَ هَوَازِنَ. وَأَوْطَاسٌ كَمَا فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ وَادٍ فِي أَرْضِ هَوَازِنَ كَانَتْ فِيهِ وَقْعَةُ حُنَيْنٍ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِبَنِي هَوَازِنَ، وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا لِغَزْوَةِ أَوْطَاسٍ بَعْدَ سُوقِ الرِّوَايَاتِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَادٍ فِي دَارِ هَوَازِنَ، وَهُوَ مَوْضِعُ حَرْبِ حُنَيْنٍ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ وَادِيَ أَوْطَاسٍ غَيْرُ وَادِي حُنَيْنٍ. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ فِي وَادِي حُنَيْنٍ، وَأَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمُوا صَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى الطَّائِفِ، وَطَائِفَةٌ إِلَى بَجِيلَةَ، وَطَائِفَةٌ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَسْكَرًا مُقَدَّمَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى مَنْ مَضَى إِلَى أَوْطَاسٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ إِلَى الطَّائِفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الْبَكْرِيُّ: أَوْطَاسٌ وَادٍ فِي دَارِ هَوَازِنَ، وَهُنَاكَ عَسْكَرُوا هُمْ وَثَقِيفٌ ثُمَّ الْتَقَوْا بِحُنَيْنٍ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الِاسْمَيْنِ: وَهُمَا مَوْضِعَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَسُمِّيَتِ الْغَزْوَةُ
بِاسْمِ مَكَانِهَا، وَتُسَمَّى غَزْوَةً; لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute