للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ رِجَالَ الْوَفْدِ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَأَنَّ مِمَّا قَالَهُ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ فِي السَّبَايَا: وَأَنَّ أَبْعَدَهُنَّ قَرِيبٌ مِنْكَ، حِضْنُكَ فِي حُجُورِهِنَّ، وَأَرْضَعْنَكَ بِثَدْيِهِنَّ، وَتَوَرَّكْنَكَ عَلَى أَوْرَاكِهِنَّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ.

قِسْمَةُ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ

(وَإِيثَارُ قُرَيْشٍ وَلَاسِيَّمَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَحِرْمَانِ الْأَنْصَارِ) كَانَ السَّبْيُ سِتَّةَ آلَافِ نَفْسٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ الَّذِينَ قَضَى عُرْفُ الْحَرْبِ يَوْمَئِذٍ اسْتِرْقَاقَهُمْ، وَأَعْتَقَهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِاسْتِرْضَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الْغَانِمِينَ، فَجَمَعَ بَيْنَ سِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ فِي التَّوَسُّلِ إِلَى تَحْرِيرِ الرَّقِيقِ بِجَمِيعِ الْوَسَائِلِ، وَاتِّقَاءِ تَنْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَاسِيَّمَا حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ. وَكَانَتِ الْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ، وَالْفِضَّةُ أَرْبَعَةُ آلَافِ أُوقِيَّةٍ. وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَثْرَةِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّصْرِيَّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ لِلْقِتَالِ، سَاقَ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يَثْبُتُوا وَلَا يَفِرُّوا، فَكَانَ ذَلِكَ تَسْخِيرًا مِنَ اللهِ تَعَالَى; لِيَكُونُوا غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَسَّمَهَا وَأَفَاضَ فِي الْعَطَاءِ عَلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ طُلَقَاءِ يَوْمِ الْفَتْحِ وَجَدَ الْأَنْصَارُ وَتَحَدَّثَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ، فَجَمَعَهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ

وَخَطَبَ فِيهِمْ فَأَرْضَاهُمْ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَغَازِي فَنَذْكُرُ أَصَحَّ الرِّوَايَاتِ فِيهِ.

رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَاللَّفْظُ هُنَا لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَّمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! " أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ " كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: " مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: " لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْنَا كَذَا وَكَذَا، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبِهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ".

وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِين أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>