للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِعِزَّتِهِ، أَنْ أَحَلَّ لَهُ حَرَمَهُ وَبَلَدَهُ، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، وَلِيُبَيِّنَ سُبْحَانَهُ لِمَنْ قَالَ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلَّةٍ - أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ مَنْ يَنْصُرْهُ فَلَا غَالِبَ لَهُ، وَمَنْ يَخْذُلْهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى نَصْرَ رَسُولِهِ وَدِينِهِ، لَا كَثْرَتُكُمُ الَّتِي أَعْجَبَتْكُمْ فَإِنَّهَا لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا فَوَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.

فَلَمَّا انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهَا خِلَعُ الْجَبْرِ، مَعَ بَرِيدِ النَّصْرِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرْوَهَا (٢٦) وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ خَلَعَ النَّصْرَ وَجَوَائِزَهُ إِنَّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (٢٨: ٥، ٦) .

وَمِنْهَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا مَنَعَ الْجَيْشَ غَنَائِمَ مَكَّةَ فَلَمْ يَغْنَمُوا مِنْهَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَلَا مَتَاعًا وَلَا سَبْيًا وَلَا أَرْضًا كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا هَلْ غَنِمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، وَكَانُوا قَدْ فَتَحُوهَا بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ وَفِيهِمْ حَاجَةٌ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْجَيْشُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ، فَحَرَّكَ سُبْحَانَهُ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ لِغَزْوِهِمْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ إِخْرَاجَ أَمْوَالِهِمْ وَنِعَمِهِمْ وَشِيَاهِهِمْ وَسَبْيِهِمْ مَعَهُمْ نُزُلًا وَضِيَافَةً وَكَرَامَةً لِحِزْبِهِ وَجُنْدِهِ، وَتَمَّمَ تَقْدِيرَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ أَطْعَمَهُمْ فِي الظَّفَرِ، وَأَلَاحَ لَهُمْ مَبَادِئَ النَّصْرِ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا (٨: ٤٢) فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَبَرَدَتِ الْغَنَائِمُ لِأَهْلِهَا، وَجَرَتْ فِيهَا

سِهَامُ اللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي دِمَائِكُمْ، وَلَا فِي نِسَائِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ، فَأَوْحَى اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَى قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ، فَجَاءُوا مُسْلِمِينَ، فَقِيلَ: إِنَّ مِنْ شُكْرِ إِسْلَامِكُمْ وَإِتْيَانِكُمْ أَنْ نَرُدَّ عَلَيْكُمْ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَسَبْيَكُمْ، إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨: ٧٠) .

وَمِنْهَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ غَزْوَ الْعَرَبِ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ، وَخَتَمَ غَزْوَهُمْ بِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ ; وَلِهَذَا يَقْرِنُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ بِالذِّكْرِ فَيُقَالُ: بَدْرٌ وَحُنَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعُ سِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ قَالَتْ بِأَنْفُسِهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ. وَالنَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَمَى فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ فِيهِمَا، وَبِهَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ طَفِئَتْ جَمْرَةُ الْعَرَبِ لِغَزْوِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْمُسْلِمِينَ، فَالْأُولَى خَوَّفَتْهُمْ وَكَسَرَتْ مِنْ حَدِّهِمْ، وَالثَّانِيَةُ اسْتَفْرَغَتْ قُوَاهُمْ، وَاسْتَنْفَدَتْ سِهَامَهُمْ، وَأَذَلَّتْ جَمْعَهُمْ، حَتَّى لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَبَرَ بِهَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَفَرَّحَهُمْ بِمَا نَالُوهُ مِنَ النَّصْرِ وَالْمَغْنَمِ وَكَانَتْ كَالدَّوَاءِ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ كَسْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ جَبَرَهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ تَمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا صَرَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>