للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٤٨: ٢٩) وَهَذَا الْكِتَابُ وَسَائِرُ كُتُبِ الرَّوَافِضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَشَدُّ غَيْظًا بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فَرُّوا فِي أَثَرِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: " وَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِرِكَابِهِ. قِيلَ: وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ: ثَبَتَ مَعَهُ تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ فِي الْإِرْشَادِ " اهـ.

وَهُوَ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى إِرْشَادِ مُفِيدِهِ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَكِبَارِ مُصَنِّفِيهِمْ فِي تَأْيِيدِ نِحْلَتِهِمْ، فَذَكَرَ مَا اعْتَمَدَهُ بِصِيغَةِ التَّعْرِيضِ بَعْدَ جَزْمِهِ هُوَ بِثَبَاتِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ.

ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ خَاصٌّ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَيُقَالُ لَهُ: وَلِمَاذَا عَطَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي؟ أَلَيْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ كَانُوا قَدِ اضْطَرَبُوا عِنْدَ اضْطِرَابِ الْجُمْهُورِ فِي تِلْكَ الْهَزِيمَةِ؟ أَوَلَيِسَ نُزُولُ السَّكِينَةِ لَازِمًا أَوْ مَلْزُومًا لِعَوْدَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ إِلَى الْقِتَالِ؟ وَهَلْ عَادُوا إِلَّا بَعْدَ أَنْ زَالَ ذَلِكَ الِاضْطِرَابُ وَاخْتِلَاطُ الْأَمْرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُمْ بِفِرَارِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؟ وَهَلْ زَالَ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّكِينَةِ لَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَنِدَاءَ الْعَبَّاسِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَعَلِمُوا مَكَانَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ؟ وَهَلْ يَكُونُ أَصْحَابُ هَذِهِ الْكَرَّةِ النَّاهِضَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْفَرَّةِ الْعَارِضَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَوَاقِفِ السَّابِقَةِ وَالْفُتُوحَاتِ اللَّاحِقَةِ

مِنَ الْجُبَنَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِغَضَبِ الْجَبَّارِ، وَيَكُونُ فِرَارُهُمْ خِذْلَانًا لِلرَّسُولِ وَتَعَمُّدَا لِإِسْلَامِهِ لِلْكُفَّارِ كَمَا افْتَرَى هَذَا الرَّافِضِيُّ الْكُفْرَ؟ .

وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ عَطْفُ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ بِثُمَّ الدَّالِّ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ تَوَلِّي الْأَدْبَارِ أَنَّ الِاضْطِرَابَ الْمُنَافِيَ لِلسِّكِّينَةِ بِانْهِزَامِ الطُّلَقَاءِ كَانَ عَامًّا ; إِذْ تَبِعَهُ انْهِزَامُ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وَهُوَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْمَآلُ فَالْجَيْشُ اضْطَرَبَ لِهَزِيمَةِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُ، وَالرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اضْطَرَبَ بَالُهُ حُزْنًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَمَّتْ حِكْمَةُ اللهِ فِي ابْتِلَائِهِمْ بِذَلِكَ أَنْزَلَ سَكِينَةً عَلَى رَسُولِهِ، فَأَمَرَ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بِنِدَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَنَادَاهُمْ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ أَنْزَلَ اللهُ السِّكِّينَةَ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَتِهِ وَالْعِلْمِ بِمَكَانِهِ.

إِنَّ الرَّافِضِيَّ عَمَدَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مُجْمَلَ الْقِصَّةِ بِمَا وَافَقَ هَوَاهُ مِنْ نَقْلٍ، وَمَا مَزَجَهُ بِهِ مِنْ تَأْوِيلٍ بَاطِلٍ - إِلَى تَحْرِيفِ الْآيَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، فَزَعَمَ: أَنَّهُمَا تَوْبِيخٌ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ

ـ

<<  <  ج: ص:  >  >>