للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ مَا عَدَا الَّذِينَ ثَبَتُوا وَهُمْ فِي زَعْمِهِ ثَلَاثَةٌ، بَلْ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَخَصَّ أَصْحَابَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بِالذِّكْرِ، بَلْ بِالذَّمِّ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا صَاحِبَ الدِّينِ " لِجُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَطَغَامِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ " مَا نَصُّهُ:

فَأَيْنَ مَا بَايَعْتُمْ بِهِ اللهَ سُبْحَانَهُ، وَمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَلَّا تَفِرُّوا عَنْهُ، وَمَنْ فَرَّ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ؟ فَمَا وَفَيْتُمْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ (كَذَا) إِذْ يَقُولُ: إِنِ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا (٩: ١١١) أَنْقَضْتُمُ الْعَهْدَ؟ أَمِ اسْتَقَلْتُمُ الْبَيْعَ " ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٩: ٢٥) غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، وَلَا مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ (٨: ١٦) انْتَهَى. بِحُرُوفِهِ وَتَحْرِيفِهِ لِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى إِذْ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ تَفْسِيرًا لِآيَةِ يَوْمِ حُنَيْنٍ الَّتِي لَمْ تَكُنْ إِلَّا تَذْكِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِعِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى بِهِمْ وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالتَّوَلِّي فِي أَوَّلِ الْمَعْرَكَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهَذَا التَّحْرِيفِ أَنْ يَهْدِمَ كُلَّ

مَا لِلصَّحَابَةِ الْكِرَامِ مِنَ الثَّنَاءِ فِي كِتَابِ اللهِ، وَيَجْعَلَهُمْ مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ، وَيُحَوِّلُ رِضْوَانَ اللهِ عَنْهُمْ إِلَى غَضَبِهِ، وَوَعْدِهِ إِيَّاهُمْ بِالْجَنَّةِ إِلَى وَعِيدِهِمْ بِالنَّارِ.

أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّافِضِيَّ كَيْفَ لَمْ يُتِمَّ آيَةَ الشِّرَاءِ; لِأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمُبْطِلَةٌ لِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) فَلَوْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ أَوْ يَسْتَقِيلُونَ هَذَا الْبَيْعَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِبْشَارِ بِهِ، وَلَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَمِ اسْتَقَلْتُمُ الْبَيْعَ، إِلَى قَوْلِ الْأَنْصَارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ عِنْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مَنْعِهِ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَوَعْدِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ - إِذْ قَالُوا: لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ، وَقَدْ شَهِدَ اللهُ وَرَسُولُهُ لَهُمْ بِالْوَفَاءِ. وَشَهِدَ عَلَيْهِمُ الرَّافِضِيُّ بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ، وَاسْتِقَالَةِ الْبَيْعِ! ! .

وَقَدْ أَعَادَ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ذِكْرَ مَا زَعَمَهُ مِنْ فِرَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَأَنْزَلَ بِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ، وَكَانَ أَعْظَمَ نَاشِرٍ لَهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

ثُمَّ فَسَّرَ السِّكِّينَةَ " بِتَثْبِيتِ الْقَلْبِ وَتَسْكِينِهِ وَإِيدَاعِهِ الْجُرْأَةَ وَالْبَسَالَةَ " وَقَالَ: " وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الثَّلَاثَةُ أَوِ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ مَرَّ ذِكْرُهُمْ " وَقَدْ جَهِلَ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ طَعْنٌ فِيهِمْ; لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ مِنَ السَّكِينَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ، لِعَطْفِ نُزُولِهَا عَلَى تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ ب " ثُمَّ " الْمُفِيدَةِ لِلتَّرَاخِي، وَالصَّوَابُ اللَّائِقُ بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَبِأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ مَا ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>