للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ هَذَا الطَّعْنِ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ - وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ عَلَى أَنَّهُ حَصَرَهُ بَعْدُ فِي (عَلِيٍّ) وَحْدَهُ - قَالَ: " فَإِذَا تَدَبَّرْتَ حَالَةَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا قَرَّعَهُمْ فِيهِ وَعَاتَبَهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ وَكَيْفَ بَاهَى اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ الْعَسْكَرَ الْمِجَرَّ، وَالْجَحْفَلَ الْحَاشِدَ بِأَعْلَامِ الصَّحَابَةِ، وَأَكَابِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

وَصَنَادِيدِهِمْ، وَمَنْ إِلَيْهِمُ الْإِيمَاءُ وَالْإِشَارَةُ - ظَهَرَتْ لَكَ عَظْمَتُهُ وَمَكَانَتُهُ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَبْلَغُهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنِ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ " إِلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ وَأَسْهَبَ مِنَ الْمَعَانِي الشَّرِيعَةِ فِي تَحْقِيرِ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى خَصَّ بِالذِّكْرِ الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِينَ بَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْجَنَّةِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ سَيْفَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَفَاتِحَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، وَرَافِعَ لِوَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَالْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ وَأَبَا أَيُّوبَ وَأَمْثَالَهُمْ مِنْ صَنَادِيدِ الْإِسْلَامِ الْأَعْلَامِ، فَزَعَمَ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا أَنَّ تِلْكَ الصَّدْمَةَ " أَطَارَتْ أَفْئِدَتَهُمْ وَشَرَدَتْ بِهِمْ فِي كُلِّ وَادٍ " لِيَقُولَ فِي عَلِيٍّ " وَكَيْفَ قَامَ فِي وَجْهِهَا، وَانْتَصَبَ لِصَدِّهَا، وَأَقْدَمَ عَلَى رَدِّهَا بِصَدْرٍ أَوْسَعَ مِنَ الْفَضَاءِ، وَقَلْبٍ أَمْضَى مِنَ الْقَضَاءِ " وَزَعَمَ بَلْ أَقْسَمَ أَنَّهُ " لَقَدْ فَازَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ بِأَجْرِهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَضْلِهَا وَطَارَ بِفَخْرِهَا " كَأَنَّهُ يَشْعُرُ شُعُورًا خَفِيًّا لَا يُدْرِكُهُ عَقْلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ إِثْبَاتُ غُلُوِّهِ فِيهِ إِلَّا بِافْتِرَاءِ مَنَاقِبَ لَهُ مَقْرُونَةً بِتَحْقِيرِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَبِالْكَذِبِ عَلَى اللهِ فِي الْأَمْرَيْنِ، كَزَعْمِهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَّعَهُمْ، وَبَاهَى بِهِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا غَيْرُ مُزْدَرٍ لِتِلْكَ الْعُصْبَةِ الْهَاشِمِيَّةِ وَهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَيْضًا - أَيْ كَمَا ازْدَرَى سَائِرَ الصَّحَابَةِ - وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُمْ مِنَ الِازْدِرَاءِ لِنَسَبِهِمْ لَا لِشَجَاعَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، وَذَلِكَ تَحْقِيرٌ لَهُمْ، فَقَدْ قَالَ بَعْدَهُ: " فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا ثَبَتَ أُولَئِكَ إِلَّا بِثَبَاتِهِ، وَلَا رَكَنُوا إِلَّا لِدِفَاعِهِ وَمُحَامَاتِهِ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِكِفَايَتِهِ لِحِمَايَتِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَلَمَّ بِالتَّارِيخِ وَقَرَأَ الْيَسِيرَ عَلِمَ أَنَّ أُولَئِكَ الْهَاشِمِيِّينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقِفٌ مَشْهُورٌ، وَلَا مَقَامٌ مَذْكُورٌ، وَلَا دَوَّنَ لَهُمُ التَّارِيخُ قَتْلَ أَحَدٍ " - إِلَى أَنْ قَالَ - غُلُوًّا فِي الْإِطْرَاءِ وَالْمَدْحِ، وَإِسْرَافًا فِي الْإِزْرَاءِ وَالْقَدْحِ، وَتَهْوِيلًا لِلْأَمْرِ.

" بِرَبِّكَ دَعِ التَّكَلُّفَ وَخَبِّرْنِي مُنْصِفًا لَوْ فَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَيْنِ أُولَئِكَ التِّسْعَةِ مَعَ مَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ بَأْسِهِ وَشَجَاعَتِهِ أَكَانَ يَثْبُتُ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ كَلَّا

وَاللهِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى وَالْقَارِعَةُ الْعُظْمَى بِقَتْلِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَذْهَبُ الدِّينُ وَالدَّوْلَةُ، وَفِي ذَلِكَ هَلَاكُ الْأُمَمِ بَعْدَ نَجَاتِهَا، وَانْقِرَاضُهَا بَعْدَ حَيَاتِهَا فَثَبَاتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُحَامَاتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى أَنْ ثَابَتْ إِلَيْهِ تِلْكَ الْفِئَةُ الَّتِي لَمْ تَتَجَاوَزْ مِائَةَ (؟) مُقَاتِلٍ هُوَ السَّبَبُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَبَقَاءِ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ، وَنَجَاةِ الْخَلْقِ مِنَ الْهَلَكَةِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>