للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيُسَمَّوْنَ بِأَهْلِ الْعَهْدِ وَالْمُعَاهَدِينَ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ نَبْسُطَ الْقَوْلَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِزْيَةِ لِتَقْصِيرِ الْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِهَا فَنَقُولُ: (فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الْجِزْيَةِ وَالْمُرَادِ مِنْهَا)

الْجِزْيَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْخُرُوجِ يُضْرَبُ عَلَى الْأَشْخَاصِ لَا عَلَى الْأَرْضِ، جَمْعُهَا جِزًى كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَالْيَدُ السَّعَةُ وَالْمِلْكُ أَوِ الْقُدْرَةُ وَالتَّمَكُّنُ، وَالصَّغَارُ (بِالْفَتْحِ) وَالصِّغَرُ (كَعِنَبٍ) وَهُوَ ضِدُّ الْكِبَرِ، وَيَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْخُضُوعُ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَسِيَادَتِهِ الَّذِي تَصْغُرُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ لَدَيْهِمْ بِفَقْدِهِمُ

الْمِلْكَ، وَعَجْزِهِمْ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْحُكْمِ. قَالَ الرَّاغِبُ: الصَّاغِرُ الرَّاضِي بِالْمَنْزِلَةِ الدَّنِيَّةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْأُمِّ: وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ اهـ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ فِي الْآيَةِ أَقْوَالًا يَأْبَاهَا عَدْلُ الْإِسْلَامِ وَرَحْمَتُهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ لَفْظَ الْجِزْيَةِ عَرَبِيٌّ مَحْضٌ مِنْ مَادَّةِ الْجَزَاءِ. وَهَلْ هِيَ جَزَاءُ حَقْنِ الدَّمِ، أَوْ جَزَاءُ الْحِمَايَةِ لَهُمْ وَالدِّفَاعِ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِهِمُ التَّجَنُّدَ لِلْقِتَالِ مَعَنَا، أَوْ جَزَاءُ إِعْطَاءِ الذِّمِّيِّ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ وَمُسَاوَاتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ فِي حُرِّيَّةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَالدِّينِ؟ وُجُوهٌ أَضْعَفُهَا أَوَّلُهَا وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ثَانِيهَا.

قَالَ صَاحِبُ اللِّسَانِ: وَالْجِزْيَةُ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَجِزْيَةُ الذِّمِّيِّ مِنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ وَالْجِزْيَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ الْجِزَى مِثْلَ لِحْيَةٍ وَلِحًى، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْجِزْيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ الَّذِي يَعْقِدُ الْكِتَابِيُّ عَلَيْهِ الذِّمَّةَ، وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنَ الْجَزَاءِ كَأَنَّهَا جَزَتْ عَنْ قَتْلِهِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ أَرَادَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا أَسْلَمَ وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ الْحَوْلِ لَمْ يُطَالَبْ مِنَ الْجِزْيَةِ بِحِصَّةِ مَا مَضَى مِنَ السَّنَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا أَسْلَمَ وَكَانَ فِي يَدِهِ أَرْضٌ صُولِحَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ تُوضَعُ عَنْ رَقَبَتِهِ الْجِزْيَةُ، وَعَنْ أَرْضِهِ الْخَرَاجُ إِلَخْ.

وَقَدْ حَقَّقَ شَمْسُ الْعُلَمَاءِ الشَّيْخُ شِبْلِي النُّعْمَانِيُّ الْهِنْدِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) فِي رِسَالَةٍ لَهُ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَنَارِ، أَنَّ لَفْظَ الْجِزْيَةِ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ فَارِسِيٌّ (كَزَيْتٍ) وَأَنَّ مَعْنَاهَا الْخَرَاجُ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ، وَأَوْرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ بَعْضَ الشَّوَاهِدِ مِنَ الشِّعْرِ الْفَارِسِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وُجِدَ فِي اللُّغَتَيْنِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَتَا فِيهِ، وَتَوَافُقُ اللُّغَاتِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُوجَدُ مَعَانِيهَا عِنْدَ الْأُمَمِ النَّاطِقَةِ بِهَا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْكَلِمَةَ أَصِيلَةٌ فِي

الْفَارِسِيَّةِ دَخِيلَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَأَمْثَالِهَا مِمَّا أَخَذَهُ الْعَرَبُ مِنْ مُجَاوِرِيهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>