وَجَبَلِهَا وَحَوَاشِيهَا وَشِفَارِهَا وَأَهْلَ مِلَلِهَا كُلِّهِمُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمِلَلِهِمْ وَشَرَائِعِهِمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وَمَنْ حُشِرَ مِنْهُمْ فِي سَنَةٍ وُضِعَ عَنْهُ جَزَاءُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَنْ أَقَامَ فَلَهُ مِثْلُ مَا لِمَنْ أَقَامَ مِنْ ذَلِكَ " اهـ (طَبَرِيٌّ صَحِيفَةَ ٢٢٦٢) .
(وَمِنْهَا) الْعَهْدُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ سُرَاقَةَ عَامِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَبَيْنَ شَهْرِ بِرَازَ كَتَبَ بِهِ سُرَاقَةُ إِلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ وَحَسَّنَهُ وَهَاكَ نَصَّهُ:
" هَذَا مَا أَعْطَى سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرٍو عَامِلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَهْرَ بِرَازٍ وَسُكَّانَ أَرْمِينِيَّةَ وَالْأَرْمَنَ مِنَ الْأَمَانِ، أَعْطَاهُمْ أَمَانًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ أَلَّا يُضَارُّوا وَلَا يُنْقَضُوا، وَعَلَى أَرْمِينِيَّةَ وَالْأَبْوَابِ الطَّرَّاءِ مِنْهُمْ وَالتَّنَّاءِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا لِكُلِّ غَارَةٍ، وَيَنْفُذُوا لِكُلِّ أَمْرٍ نَابَ أَوْ لَمْ يَنُبْ رَآهُ الْوَالِي صَلَاحًا عَلَى أَنْ يُوضَعَ الْجَزَاءُ عَمَّنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْهُمْ وَقَعَدَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ أَذْرَبِيجَانَ مِنَ الْجَزَاءِ، فَإِنْ حُشِرُوا وُضِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَبُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَتَبَ مَرْضِيُّ بْنُ مُقَرِّنٍ وَشَهِدَ " اهـ. (طَبَرِيٌّ ٢٦٦٥ و٢٦٦٦) .
(وَمِنْهَا) مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجُرَاجِمَةِ، وَقَدْ أَتَى الْعَلَّامَةُ الْبَلَاذُرِّيُّ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِهِمْ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مَشَايِخُ مِنْ أَهْلِ أَنْطَاكِيَةَ أَنَّ الْجُرَاجِمَةَ مِنْ مَدِينَةٍ عَلَى جَبَلِ لُكَّامٍ، عِنْدَ مَعْدِنِ الزَّاجِ، فِيمَا بَيْنَ بِيَامِنَ وَبُوقَا، يُقَالُ لَهَا: الْجُرْجُوْمَةُ، وَأَنَّ أَمْرَهُمْ كَانَ فِي اسْتِيلَاءِ الرُّومِ عَلَى الشَّامِ، وَأَنْطَاكِيَةَ إِلَى بِطْرِيقِ أَنْطَاكِيَةَ وَوَالِيهَا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْطَاكِيَةَ وَفَتَحَهَا لَزِمُوا مَدِينَتَهُمْ وَهَمُّوا بِاللَّحَاقِ بِالرُّومِ، إِذْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلَمْ يَتَنَبَّهِ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ أَنْطَاكِيَةَ نَقَضُوا وَغَدَرُوا فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ مَنْ فَتَحَهَا ثَانِيَةً، وَوَلَّاهَا بَعْدَ فَتْحِهَا حَبِيبَ بْنَ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيَّ، فَغَزَا الْجُرْجُوْمَةَ فَلَمْ يُقَاتِلْهُ أَهْلُهَا، وَلَكِنَّهُمْ بَدَرُوا بِطَلَبِ الْأَمَانِ وَالصُّلْحِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا أَعْوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ وَعُيُونًا وَمَسَالِحَ فِي جَبَلِ اللُّكَّامِ، وَأَلَّا يُؤْخَذُوا بِالْجِزْيَةِ " ثُمَّ إِنَّ الجُرَاجِمَةَ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُوَفُّوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ مَرَّةٍ لَمْ يُؤْخَذُوا بِالْجِزْيَةِ قَطُّ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْعُمَّالِ فِي عَهْدِ الْوَاثِقِ بِاللهِ الْعَبَّاسِيِّ أَلْزَمَهُمْ جِزْيَةَ رُؤُوْسِهِمْ فَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى الْوَاثِقِ فَأَمَرَ بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُمْ اهـ.
وَقَدِ اخْتَصَرَ النُّعْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ خَبَرَ الْجُرَاجِمَةِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّ الْجُرَاجِمَةَ إِلَخْ، وَفِي سَائِرِ خَبَرِهِمْ فِي الْبَلَاذُرِّيِّ مِنْ غَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ، وَمُظَاهَرَتِهِمْ لِلْعَدُوِّ وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ الْأُمَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، مَا يَفْتَخِرُ بِهِ التَّارِيخُ الْإِسْلَامِيُّ الْعَرَبِيُّ بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ. وَالشَّاهِدُ هُنَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ بَعْدَ تَكْرَارِ غَدْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute