للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَجُوسُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ الصُّحُفِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. اهـ. . .

اسْتِدْلَالُهُ بِعُمُومِ الْمُشْرِكِينَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْحَقُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ حَتْمٌ وَعَدَمَ قَبُولِهَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَتْمٌ، وَمَا عَدَاهُمَا فَمَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ أُولِي الْأَمْرِ، كَسَائِرِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ. وَمِقْدَارُ الْجِزْيَةِ اجْتِهَادِيٌّ أَيْضًا بِشَرْطِهِ.

(اسْتِطْرَادٌ فِي حَقِيقَةِ مَعْنَى الْجِهَادِ أَوِ الْحَرْبِ وَالْغَزْوِ)

وَإِصْلَاحُ الْإِسْلَامِ فِيهَا

الْجِهَادُ كَلِمَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْحَرْبِ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْأُمَمِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الدَّوْلَةِ الْعَامَّةِ لَهَا أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْأَعَمِّ، وَهِيَ مَصْدَرُ جَاهَدَ يُجَاهِدُ مُجَاهَدَةً وَجِهَادًا كَقَاتَلَ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً وَقِتَالًا، فَهِيَ صِيغَةُ مُشَارَكَةٍ مِنَ الْجُهْدِ وَهُوَ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ، كَمَا أَنَّ الْقِتَالَ مُشَارَكَةٌ مِنَ الْقَتْلِ، قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: وَالْجِهَادُ وَالْمُجَاهَدَةُ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي مُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ. وَالْجِهَادُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ، مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ. وَمُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ. وَتَدْخُلُ ثَلَاثَتُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ (٢٢: ٧٨) وَوَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ (٩: ٤١) وَإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ

فِي سَبِيلِ اللهِ (٨: ٧٢) وَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَاهِدُوا أَهْوَاءَكُمْ كَمَا تُجَاهِدُونَ أَعْدَاءَكُمْ وَالْمُجَاهَدَةُ تَكُونُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ. قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: جَاهِدُوا الْكُفَّارَ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ اهـ وَالْجِهَادُ بِالْأَلْسِنَةِ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ.

لَا أَذْكُرُ مَنْ خَرَّجَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَشْهَدَ بِهِمَا الرَّاغِبُ فِي الْجِهَادِ الْمَعْنَوِيِّ، وَفِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى كَحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ ابْنِ النَّجَّارِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَرَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ بِلَفْظِ " أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى " وَحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْخَطِيبِ قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ، قَدِمْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، مُجَاهَدَةِ الْعَبْدِ هَوَاهُ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ الْجِهَادُ أَرْبَعٌ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصِّدْقُ فِي مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَشَنَآنُ الْفَاسِقِ وَغَيْرِهَا. وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ ; لِأَنَّ الْإِفْرِنْجَ وَمُقَلِّدِيهِمْ وَتَلَامِيذَهُمْ مِنْ نَصَارَى الْمَشْرِقِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجِهَادَ هُوَ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، لِإِكْرَاهِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعَادُوهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>