للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُكُومَةَ هَذَا الشَّعْبِ الْإِسْلَامِيِّ الْبَاسِلِ مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي إِلَى مُحَارَبَةِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ نَفْسِهِ بِأَشَدَّ مِنْ مُحَارَبَتِهِمْ هُمْ لَهُ بِمَدَارِسِهِمُ التَّبْشِيرِيَّةِ، وَاللَّادِينِيَّةِ، وَبِكُتُبِهِمْ وَصُحُفِهِمْ وَنُفُوذِهِمْ،

فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ قَدْ تَمَّ لَهُمْ بِهَذَا فَتْحُ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمْ لِإِتْمَامِ هَذَا الْفَتْحِ إِلَّا الْقَضَاءُ الْأَخِيرُ عَلَى مَهْدِهِ الدِّينِيِّ، وَعَلَى شَعْبِهِ وَأَنْصَارِهِ مِنْ قَوْمِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَهَذَا مَا جَرَّأَهُمْ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا وَكَانُوا فِيهِ مُخْطِئِينَ، وَفِي مُحَاوَلَتِهِ مُسِيئِينَ، وَكُنَّا مِنْ إِسَاءَتِهِمْ مُسْتَفِيدِينَ.

أَمَّا الْخِلَافَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ الْمُتَغَلِّبَةُ فَكَانَتْ هَيْكَلًا وَهْمِيًّا خَادِعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِاتِّكَالِهِمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَتَوَجَّهْ هِمَمُهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى قُوَاهُمُ الذَّاتِيَّةِ، وَلَاسِيَّمَا قُوَّةُ الْوِلَايَةِ وَالتَّعَاوُنِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ سِيَاجًا لِمَنْ يَعْمَلُ لِلْإِسْلَامِ وَلَهَا بِاعْتِرَافِ الدُّوَلِ لَهَا بِالْحُقُوقِ الدَّوْلِيَّةِ، وَبِمَا كَانَتْ تُحَافِظُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، وَكَانَ أَفْرَادُ الْعُلَمَاءِ وَالسِّيَاسِيِّينَ كَالْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا السِّيَاجَ ضَعِيفٌ، وَعُرْضَةٌ لِلزَّوَالِ الْقَرِيبِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ مِنْ وَرَائِهِ مَعَ عَدَمِ الِاتِّكَالِ عَلَيْهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَعْدَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَقْوِيَتِهِ بِضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ الْإِصْلَاحِ، وَلَكِنَّ الْجَهْلَ الْعَامَّ حَالَ دُونَ الِاهْتِدَاءِ بِآرَاءِ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءِ الَّتِي جَرَيْنَا عَلَيْهَا فِي مَجَلَّتِنَا (الْمَنَارِ) بِأَصْرَحَ مِمَّا كَانُوا يُصَرِّحُونَ أَوْ يُبِيحُونَ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ زَوَالُ الْخِلَافَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ نَافِعًا لَا ضَارًّا.

وَأَمَّا الْجَامِعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ فَلَمْ تَكُنْ أَمْرًا وَاقِعًا بِالْفِعْلِ، كَمَا حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي الْمَنَارِ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَمْرًا تَقْتَضِيهِ الْعَقِيدَةُ وَالْمَصْلَحَةُ، وَيَحُولُ دُونَهُ الْجَهْلُ الْعَامُّ، وَلَاسِيَّمَا جَهْلُ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ مِنَ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَقْظَةُ الْمُقَاوِمِينَ لَهُمْ، وَسَتَدْخُلُ فِي هَذَا الْعَصْرِ فِي طَوْرٍ مِنَ النِّظَامِ تَبَلَّجَ نُورُ فَجْرِهِ فِي الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ الْأَوَّلِ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ.

وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ الْجِنْسِيَّةُ وَالْوَطَنِيَّةُ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَقَدْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ وَوُجُودٌ بِمَا كَانَ مِنْ عَصَبِيَّةِ الْأَعَاجِمِ لِأَجْنَاسِهِمْ، وَلَاسِيَّمَا التُّرْكُ الَّذِينَ كَانَ مِنْ قَوَاعِدِ سِيَاسَتِهِمُ احْتِقَارُ الْعَرَبِ، وَهَضْمُ حُقُوقِهِمْ حَتَّى فِي مِصْرَ الَّتِي كَانَ الْأَعَاجِمُ الْحَاكِمُونَ فِيهَا فِئَةً قَلِيلَةً، وَكَانَ احْتِقَارُهُمْ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِلَقَبِ فَلَّاحٍ وَفَلَّاحِينَ أَكْبَرَ أَسْبَابِ الثَّوْرَةِ الْعُرَابِيَّةِ، وَاحْتِلَالِ الْإِنْكِلِيزِ لِمِصْرَ - وَلَكِنَّ

التَّعَالِيمَ الْأُورُبِّيَّةَ قَدْ أَفَادَتْ هَذِهِ الشُّعُوبَ الْمُسْتَيْقِظَةَ قُوَّةً جَدِيدَةً عَصْرِيَّةً تُجَاهِدُ بِهَا الْمُسْتَعْبَدِينَ بِسِلَاحِهِمُ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا يُفَلُّ حَدُّهُ، وَلَا يُجْزَرُ مَدُّهُ، وَهُوَ قُوَّةُ وَحْدَةِ الشَّعْبِ، وَمُطَالَبَتُهُ بِحَقِّهِ الطَّبِيعِيِّ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، مَعَ عَطْفِ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ وَمَذْهَبٍ فِيهِ عَلَى إِخْوَانِهِمُ الْوَطَنِيِّينَ فِي كُلِّ مَا يَرَوْنَهُ مِنْ حُقُوقِهِمُ الْمِلِّيَّةِ الْعَامَّةِ حَتَّى فِي خَارِجِ وَطَنِهِمْ. كَمَا نَرَى فِي عَطْفِ وَثَنِيِّ الْهِنْدِ وَمُسَاعَدَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا يُطَالِبُونَ بِهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فِي فِلَسْطِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>