للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَكَانَ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ نُسْخَةً مِنْ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَدَّى رَسْمًا مِنْ رُسُومِ الشَّرِيعَةِ، وَتُعْدَمُ تِلْكَ النُّسْخَةُ " انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ كَانَتْ سَنَةَ ١٦١ ق. م، وَامْتَدَّتْ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ كَمَا فُصِّلَتْ فِي تَوَارِيخِهِمْ وَتَارِيخِ يُوسِيفُوسَ. (قَالَ) فَانْعَدَمَتْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ جَمِيعُ النُّسَخِ الَّتِي كَتَبَهَا عِزْرَا كَمَا عَرَفْتَ فِي الشَّاهِدِ ١٦ مِنَ الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ جانْ مِلْنَرْ كَاتْلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي حَادِثَةِ اسْتِيلَاءِ الْإِمْبِرَاطُورِ تِيطَسَ الرُّومِيِّ عَلَى أُورْشَلِيمَ وَبِلَادِ الْيَهُودِ، أُتْلِفَتْ نُسَخٌ كَثِيرَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيحِ كَمَا بَيَّنَهُ يُوسِيفُوسُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ.

نَكْتَفِي بِهَذَا الْبَيَانِ هُنَا وَلَنَا فِيهِ غَرَضَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَدِينُونَ لِعُزَيْرٍ هَذَا فِي مُسْتَنَدِ دِينِهِمْ، وَأَصْلِ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَهُمْ. (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذَا الْمُسْتَنَدَ وَاهِي الْبَيَانِ مُتَدَاعِي الْأَرْكَانِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ الْأَحْرَارُ، فَقَدْ جَاءَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي سِفْرِهِ وَسِفْرِ نِحْمِيَا مِنْ كِتَابَتِهِ لِلشَّرِيعَةِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ إِلَيْهِمُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي أُحْرِقَتْ فَقَطْ، بَلْ أَعَادَ جَمِيعَ الْأَسْفَارِ الْعِبْرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ أُتْلِفَتْ،

وَأَعَادَ سَبْعِينَ سِفْرًا غَيْرَ قَانُونِيَّةٍ [أَبُو كَرِيفٍ] ثُمَّ قَالَ كَاتِبُ التَّرْجَمَةِ فِيهَا: وَإِذَا كَانَتِ الْأُسْطُوْرَةُ الْخَاصَّةُ بِعِزْرَا هَذَا قَدْ كَتَبَهَا مَنْ كَتَبَهَا الْمُؤَرِّخِينَ بِأَقْلَامِهِمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى كِتَابٍ آخَرَ - فَكُتَّابُ هَذَا الْعَصْرِ يَرَوْنَ أَنَّ أُسْطُورَةَ عِزْرَا قَدِ اخْتَلَقَهَا أُولَئِكَ الرُّوَاةُ اخْتِلَاقًا [انْظُرْ ص١٤ ج ٩ مِنَ الطَّبْعَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ سَنَةَ ١٩٢٩] .

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا وَمَا زَالُوا يُقَدِّسُونَ عُزَيْرًا هَذَا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ ابْنِ اللهِ، وَلَا نَدْرِي أَكَانَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى التَّكْرِيمِ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَدَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، أَمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَيْلَسُوفِهِمْ (فَيْلُو) وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ فَلْسَفَةِ وَثَنِيِّ الْهِنْدِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ عَقِيدَةِ النَّصَارَى. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهِمْ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ آيَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي تَحْكِي عَنْهُمْ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُسْنَدَةً إِلَيْهِمْ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَهِيَ مِمَّا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهِيَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ تَقْرِيرُ أَنَّ الْأُمَّةَ تُعَدُّ مُتَكَافِلَةً فِي شُئُوْنِهَا الْعَامَّةِ، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْفِرَقِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ أَوِ الزُّعَمَاءُ مِنْهَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي جُمْلَتِهَا، وَأَنَّ الْمُنْكَرَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ إِذَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ وَيُزِيلُوهُ يُؤَاخَذُونَ بِهِ كُلُّهُمْ، وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (٨: ٢٥) أَنَّ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ أَنَّ الْمَصَائِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>