وَالرَّزَايَا الَّتِي تَحِلُّ بِالْأُمَمِ بِفُشُوِّ الْمَفَاسِدِ وَالرَّذَائِلِ فِيهَا لَا تَخْتَصُّ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِتِلْكَ الْمَفَاسِدِ وَحْدَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْأَوْبِئَةَ الَّتِي تَحْدُثُ بِكَثْرَةِ الْأَقْذَارِ فِي الشَّعْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ تَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْيَهُودِ فَهُمْ بَعْضُ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، كَالَّذِينِ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ (٥: ٦٤) الْآيَةَ، وَالَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ (٣: ١٨١) رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا (٢: ٢٤٥) ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا.
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَأَبُو أَنَسٍ وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ فَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنَا، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا هُوَ ابْنُ اللهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ عُزَيْرًا كَانَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَتِ التَّوْرَاةُ عِنْدَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهَا مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا، ثُمَّ أَضَاعُوهَا وَعَمِلُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَى اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ قَدْ أَضَاعُوا التَّوْرَاةَ، وَعَمِلُوا بِالْأَهْوَاءِ رَفَعَ عَنْهُمُ التَّابُوتَ وَأَنْسَاهُمُ التَّوْرَاةَ وَنَسَخَهَا مِنْ صُدُورِهِمْ (وَذَكَرَ الرَّاوِي حِكَايَةً إِسْرَائِيلِيَّةً قَالَ فِي آخِرِهَا: إِنَّ عُزَيْرًا صَلَّى وَدَعَا اللهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ ذَهَبَ مِنْ جَوْفِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ فَاسْتَجَابَ لَهُ فَصَارَ يُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، ثُمَّ نَزَلَ التَّابُوتُ عَلَيْهِمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ مَا عَلَّمَهُمْ عُزَيْرٌ فَوَجَدُوهُ مِثْلَهُ) .
فَنَحْنُ نَأْخُذُ بِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً عَمَّنْ جَاءُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الْيَهُودِ وَقَالُوا مَا قَالُوا، فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ فِي زَمَنِهِ فَأَخْبَرَ عَمَّا رَأَى وَسَمِعَ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِمْ فَمَا هُوَ إِلَّا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِهِمْ كَذَبُوا فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا سَمِعَهُ مَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ إِذْ رَوَى عَنْهُ كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَا عُزَيْرٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُلْقِيَ التَّوْرَاةَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَلْبِهِ، فَأَنْزَلَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ رِوَايَاتٍ أُخْرَى إِسْرَائِيلِيَّةً خُرَافِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ اللهَ سَلَّطَ بُخْتُ نَصَّرَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَرَّقَ التَّوْرَاةَ، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعُزَيْرٌ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ يَتَعَبَّدُ فِيهَا، وَأَنَّ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لَهُ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهُ سَيَنْبُعُ فِي مُصَلَّاهِ عَيْنُ مَاءٍ، وَتَنْبُتُ فِيهِ شَجَرَةٌ فَإِذَا شَرِبَ مِنَ الْعَيْنِ، وَأَكَلَ مِنَ الثَّمَرَةِ جَاءَهُ
مَلَكَانِ - (إِلَى أَنْ قَالَ) فَجَاءَ الْمَلَكَانِ وَمَعَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute