للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَارُورَةٌ فِيهَا نُورٌ فَأَوْجَرَاهُ مَا فِيهَا فَأَلْهَمَهُ اللهُ التَّوْرَاةَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَذِهِ الْخُرَافَةَ عَنِ السُّدِّيِّ بِأَطْوَلَ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إِلَّا لِنُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ مِنْ شَرِّ الْخُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ الَّتِي كَانَ يَغُشُّ النَّاسَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ فِي كُتُبِ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَاجَتْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ، وَلَا سِيَّمَا سِفْرُ الْأَيَّامِ الثَّانِي، وَسِفْرَيْ عُزَيْرٍ وَنِحْمِيَا، وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا مَنْ كُتُبِهِمْ، وَلَا عَلَى تَارِيخِ يُوسِيفُوسَ الْيَهُودِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّوَارِيخِ، دَعْ كُتُبَ أَحْرَارِ الْإِفْرِنْجِ وَمُؤَرِّخِيهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ بَعْضَ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللهِ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ كَانَ (فَيْلُو) الْفَيْلَسُوفُ الْيَهُودِيُّ الْإِسْكَنْدَرِيُّ الْمُعَاصِرُ لِلْمَسِيحِ يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ ابْنًا هُوَ كَلِمَتُهُ الَّتِي خَلَقَ بِهَا الْأَشْيَاءَ - فَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى عَصْرِ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ قَدْ قَالُوا إِنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ بِهَذَا الْمَعْنَى.

وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ هَذَا الْقَوْلُ كَانَ يَقُولُهُ الْقُدَمَاءُ مِنْهُمْ، وَيَقْصِدُونَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيًّا كَالْمَحْبُوبِ وَالْمُكَرَّمِ، ثُمَّ سَرَتْ إِلَيْهِمْ فَلْسَفَةُ الْهُنُودِ فِي (كِرَشْنَا) وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ، ثُمَّ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ فِرَقُهُمُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ، وَعَلَى أَنَّ (ابْنَ اللهِ) بِمَعْنَى (اللهِ) وَبِمَعْنَى (رُوحِ الْقُدُسِ) ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، هَذَا تَعْلِيمُ الْكَنَائِسِ الَّذِي قَرَّبَتْهُ الْمَجَامِعُ الرَّسْمِيَّةُ، بِتَأْثِيرِ الْفَلْسَفَةِ الرُّومِيَّةِ، وَلَكِنْ بَعْدَ الْمَسِيحِ وَتَلَامِيذِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُونٍ، وَيُخَالِفُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَعْظَمُهُمْ شَأْنًا الْمُوَحِّدُونَ وَالْعَقْلِيُّونَ. وَالْكَنَائِسُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ وَالْأَرْثُوذُكْسِيَّةُ وَالْبُرُوتِسْتَانْتِيَّةُ لَا تَعْتَدُّ بِنَصْرَانِيَّتِهِمْ وَلَا بِدِينِهِمْ، وَهَاكَ خُلَاصَةً تَارِيخِيَّةً فِي أَطْوَارِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَهِيَ مَا فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْبُسْتَانِيِّ، قَالَ:

ثَالُوثٌ Trinite - y

كَلِمَةٌ تُطْلَقُ عِنْدَ النَّصَارَى عَلَى وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ مَعًا فِي اللَّاهُوتِ تُعْرَفُ (بِالْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ) وَهَذَا التَّعْلِيمُ هُوَ مِنْ تَعَالِيمِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَالشَّرْقِيَّةِ وَعُمُومِ الْبُرُوتِسْتَانْتِ إِلَّا مَا نَدَرَ، وَالَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذَا التَّعْلِيمِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَقَدْ أَضَافَ اللَّاهُوتِيُّونَ إِلَيْهِ شُرُوحًا وَإِيضَاحَاتٍ اتَّخَذُوهَا مِنْ تَعَالِيمِ الْمَجَامِعِ الْقَدِيمَةِ وَكِتَابَاتِ آبَاءِ الْكَنِيسَةِ الْعِظَامِ، وَهِيَ تَبْحَثُ عَنْ طَرِيقَةِ وِلَادَةِ الْأُقْنُومِ الثَّانِي، وَانْبِثَاقِ الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، وَمَا بَيْنَ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ مِنَ النِّسْبَةِ وَصِفَاتِهِمُ الْمُمَيِّزَةِ وَأَلْقَابِهِمْ، وَمَعَ أَنَّ لَفْظَةَ ثَالُوثٍ لَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْتَى بِآيَةٍ مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تُصَرِّحُ بِتَعْلِيمِ الثَّالُوثِ، قَدِ اقْتَبَسَ الْمُؤَلِّفُونَ الْمَسِيحِيُّونَ الْقُدَمَاءُ آيَاتٍ كَثِيرَةً تُشِيرُ إِلَى وُجُودِ صُورَةٍ جَمْعِيَّةٍ فِي اللَّاهُوتِ، وَلَكِنْ إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ قَابِلَةً لِتَفَاسِيرَ مُخْتَلِفَةٍ، كَانَتْ لَا يُؤْتَى بِهَا كَبُرْهَانٍ قَاطِعٍ عَلَى تَعْلِيمِ الثَّالُوثِ، بَلْ كَرُمُوزٍ إِلَى الْوَحْيِ الْوَاضِحِ الصَّرِيحِ الَّذِي يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>