للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اقْتُبِسَ مِنْهُ مَجْمُوعَانِ كَبِيرَانِ مِنَ الْآيَاتِ كَحُجَجٍ لِإِثْبَاتِ هَذَا التَّعْلِيمِ (أَحَدُهُمَا) الْآيَاتُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْآبُ وَالِابْنُ وَالرُّوحُ الْقُدُسُ مَعًا. (وَالْآخَرُ) الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَالَّتِي تَحْتَوِي عَلَى نَوْعِ أَخَصِّ صِفَاتِهِمْ وَنِسْبَةِ أَحَدِهِمْ إِلَى الْآخَرِ.

وَالْجِدَالُ عَنِ الْأَقَانِيمِ فِي اللَّاهُوتِ ابْتَدَأَ فِي الْعَصْرِ الرَّسُولِيِّ، وَقَدْ نَشَأَ عَلَى الْأَكْثَرِ عَنْ تَعَالِيمِ الْفَلَاسِفَةِ الْهِيلَانِيِّينَ وَالْغَنُوسْطِيِّينَ، فَإِنَّ ثِيُوفِيلُوسَ أُسْقُفَّ أَنْطَاكِيَةَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي اسْتَعْمَلَ كَلِمَةَ ثرياسَ بِالْيُونَانِيَّةِ، ثُمَّ كَانَ ترتليانوسُ أَوَّلَ مَنِ اسْتَعْمَلَ كَلِمَةَ ترينيتاسَ الْمُرَادِفَةَ لَهَا وَمَعْنَاهَا الثَّالُوثُ، وَفِي الْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لِلْمَجْمَعِ النِّيقَاوِيِّ حَصَلَ جِدَالٌ مُسْتَمِرٌّ فِي هَذَا التَّعْلِيمِ، وَعَلَى الْخُصُوصِ فِي الشَّرْقِ،

وَحَكَمَتِ الْكَنِيسَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْآرَاءِ بِأَنَّهَا أَرَاتِيكِيَّةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا آرَاءُ الْأَبْيُونِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ إِنْسَانٌ مَحْضٌ، وَالسَّابِلِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآبَ وَالِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ إِنَّمَا هِيَ صُورَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَعْلَنَ بِهَا اللهُ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَالْآرْيُوسِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ أَزَلِيًّا كَالْآبِ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْهُ قَبْلَ الْعَالَمِ؛ وَلِذَلِكَ هُوَ دُونَ الْأَبِ وَخَاضِعٌ لَهُ، وَالْمَكْدُونِيِّينَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا كَوْنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ أُقْنُومًا.

وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْكَنِيسَةِ فَقَدْ قَرَّرَهُ الْمَجْمَعُ النِّيقَاوِيُّ سَنَةَ ٣٢٥ لِلْمِيلَادِ، وَمَجْمَعُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ سَنَةَ ٣٨١ وَقَدْ حَكَمَا بِأَنَّ الِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ مُسَاوِيَانِ لِلْآبِ فِي وَحْدَةِ اللَّاهُوْتِ، وَأَنَّ الِابْنَ قَدْ وُلِدَ مُنْذُ الْأَزَلِ مِنَ الْآبِ، وَأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ مُنْبَثِقٌ مِنَ الْآبِ، وَمَجْمَعُ طُلَيْطِلَةَ الْمُنْعَقِدُ سَنَةَ ٥٨٩ حَكَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ مُنْبَثِقٌ مِنَ الِابْنِ أَيْضًا. وَقَدْ قَبِلَتِ الْكَنِيسَةُ اللَّاتِينِيَّةُ بِأَسْرِهَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَتَمَسَّكَتْ بِهَا، وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ الْيُونَانِيَّةُ فَمَعَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ سَاكِتَةً لَا تُقَاوِمُ قَدْ أَقَامَتِ الْحُجَّةَ فِيمَا بَعْدُ عَلَى تَغْيِيرِ الْقَانُونِ حَاسِبَةً ذَلِكَ بِدْعَةً.

وَعِبَادَةً (وَمِنَ الِابْنِ أَيْضًا) لَا تَزَالُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَانِعِ الْكُبْرَى لِلِاتِّحَادِ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ الْيُونَانِيَّةِ وَالْكَاثُولِيكِيَّةِ، وَكُتُبُ اللُّوثِيرِيِّينَ وَالْكَنَائِسُ الْمُصْلِحَةُ أَبْقَتْ تَعْلِيمَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ لِلثَّالُوثِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ دُونِ تَغْيِيرٍ، وَلَكِنْ قَدْ ضَادَّ ذَلِكَ مُنْذُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرَ جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنَ اللَّاهُوتِيِّينَ وَعِدَّةُ طَوَائِفَ جَدِيدَةٍ كَالسُّوسِينْيَانِيِّينَ وَالْجِرْمَانِيِّينَ وَالْمُوَحِّدِينَ وَالْعُمُومِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ حَاسِبِينَ ذَلِكَ مُضَادًّا، لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ أَطْلَقَ سُوِيدُ نَبْرَغُ الثَّالُوثَ عَلَى أُقْنُومِ الْمَسِيحِ مُعْلِمًا بِثَالُوثٍ، وَلَكِنْ لَا ثَالُوثَ الْأَقَانِيمِ بَلْ ثَالُوثُ الْأُقْنُومِ، وَكَانَ يَفْهَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَا هُوَ إِلَهِيٌّ فِي طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ هُوَ الْآبُ، وَأَنَّ الْإِلَهِيَّ الَّذِي اتَّحَدَ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ هُوَ الِابْنُ، وَأَنَّ

الْإِلَهِيَّ الَّذِي انْبَثَقَ مِنْهُ هُوَ الرُّوحُ الْقُدُسُ، وَانْتِشَارُ مَذْهَبِ الْعَقْلِيِّينَ فِي الْكَنَائِسِ اللُّوثِيرِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>