للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُصْلِحَةِ أَضْعَفَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ اعْتِقَادَ الثَّالُوثِ بَيْنَ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ اللَّاهُوتِيِّينَ الْجِرْمَانِيِّينَ.

وَقَدْ ذَهَبَ (كَنْتْ) إِلَى أَنَّ الْآبَ وَالِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ثَلَاثِ صِفَاتٍ أَسَاسِيَّةٍ فِي اللَّاهُوْتِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ وَالْحِكْمَةُ وَالْمَحَبَّةُ، أَوْ عَلَى ثَلَاثَةِ فَوَاعِلَ عُلْيَا: وَهِيَ الْخَلْقُ وَالْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَقَدْ حَاوَلَ كُلٌّ مِنْ هِيجِنْ وَشِلِنْغِ أَنْ يَجْعَلَا لِتَعْلِيمِ الثَّالُوثِ أَسَاسًا تَخَيُّلِيًّا، وَقَدِ اقْتَدَى بِهِمَا اللَّاهُوتِيُّونَ الْجِرْمَانِيُّونَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَحَاوَلُوا الْمُحَامَاةَ عَنْ تَعْلِيمِ الثَّالُوثِ بِطُرُقٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أُسُسٍ تَخَيُّلِيَّةٍ وَلَاهُوتِيَّةٍ، وَبَعْضُ اللَّاهُوْتِيِّينَ الَّذِي يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْوَحْيِ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِتَعْلِيمِ اسْتِقَامَةِ الرَّأْيِ الْكَنَائِسِيَّةِ بِالتَّدْقِيقِ كَمَا هِيَ مُقَرَّرَةٌ فِي مَجْمَعَيْ نِيقِيَّةَ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ الْمَسْكُونَيْنِ، وَقَدْ قَامَ مُحَامُونَ كَثِيرُونَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِعَضْدِ آرَاءِ السَّابِلِيِّينَ عَلَى الْخُصُوصِ اهـ.

وَأَقُولُ: قَدْ حَدَثَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَذَاهِبُ جَدِيدَةٌ فِي النَّصْرَانِيَّةِ فِي أُورُبَّةَ وَأَمْرِيكَةَ قَرُبَ بِبَعْضِهَا كَثِيرُونَ مِنْ إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ لَهَا، سَيُفْضِي هَذَا إِلَى رُجُوعِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِلَيْهِ بَعْدَ تَنْظِيمِ الدِّعَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَتَعْمِيمِهَا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ هَذِهِ الْأَطْوَارَ فِي الْمَنَارِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَنَعُودُ الْآنَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ; لِأَنَّ هَذَا آخَرَ مَوْضِعٍ لَهُ فِي التَّفْسِيرِ فَنَقُولُ: كُنَّا بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (٥: ١٨) أَنَّ لَقَبَ " ابْنِ اللهِ " أُطْلِقَ فِي كُتُبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى آدَمَ، كَمَا تَرَاهُ فِي نَسَبِ الْمَسِيحِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا وَهُوَ: " ابْنُ شَيْثِ بْنِ آدَمَ بْنِ اللهِ " وَعَلَى يَعْقُوبَ كَمَا فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ (٤: ٢٢) هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِيَ الْبِكْرُ وَعَلَى أَفْرَايِمَ كَمَا فِي سِفْرِ أَرْمَيَا: (٣١: ٩) لِأَنِّي صِرْتُ أَبًا وَأَفْرَايِمَ هُوَ بِكْرِي وَعَلَى دَاوُدَ: مِنْ (٨٩: ٢٦) هُوَ يَدْعُونِي أَبِي

أَنْتَ إِلَهِيَ وَصَخْرَةُ خَلَاصِي ٢٧٠ أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا أَعْلَى مِنْ كُلِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ أَيْضًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ وَسَمَّى اللهَ أَبًا لَهُمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِ الْعَهْدَيْنِ، وَيُقَابِلُهُ إِطْلَاقُ الْمَسِيحِ لَقَبَ " أَوْلَادِ إِبْلِيسَ " عَلَى غَيْرِ الصَّالِحِينَ، وَتَسْمِيَةُ إِبْلِيسَ أَبَاهُمْ كَمَا تَرَى فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا: (٨: ٤١) أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ، قَالُوا: إِنَّنَا لَمْ نُوْلَدْ مِنْ زِنًا لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ ٤٢ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي - إِلَى أَنْ قَالَ - أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا، وَهُنَالِكَ شَوَاهِدُ أُخْرَى مِنِ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ ابْنِ اللهِ فِي الْأَفْرَادِ كَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، وَتَسْمِيَتِهِمْ مَوْلُودِينَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَتَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ أَبًا لَهُمْ.

وَبَيَّنَّا أَيْضًا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ مَجَازِيٌّ قَطْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّ النَّصَارَى قَدْ خَرَجُوا عَنْ قَوَانِينِ الْعَقْلِ وَاللُّغَاتِ بِجَعْلِ إِطْلَاقِ لَفْظِ " ابْنِ اللهِ " عَلَى الْمَسِيحِ وَحْدَهُ حَقِيقِيًّا وَعَلَى غَيْرِهِ مَجَازِيًّا، وَوَعَدْنَا بِتَوْضِيحِ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>