للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ عَلَى أَنَّنَا كُنَّا قَدْ بَيَّنَّاهُ وَوَضَّحْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ (٤: ١٧١) الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَكَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ (الْمَنَارَ) وَلَعَلَّنَا مَا وَعَدْنَا بِإِيضَاحِهِ إِلَّا وَنَحْنُ ذَاهِلُونَ عَنْ هَذَا وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ فِي الْمُحَالِ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا غُمُوضًا وَإِشْكَالًا، فَالنَّصَارَى قَدْ تَحَكَّمُوا فِي تَفْسِيرِ (ابْنِ اللهِ) وَتَفْسِيرِ (الْكَلِمَةِ) وَتَفْسِيرِ (رُوحِ الْقُدُسِ) وَتَفْسِيرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ (اللهِ) بِمَا يُنَافِي الْعَقْلَ وَنُصُوصَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْجَدِيدِ، فَجَعَلُوهَا مُتَعَارِضَةً

مُتَنَاقِضَةً. كُلُّ ذَلِكَ لِإِدْخَالِ عَقِيدَةِ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ مِنَ الْهُنُودِ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالْيُونَانِ عَلَى دِينِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَبْنِيِّ عَلَى أَسَاسِ التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ.

وَلَكِنَّنَا نَأْتِي بِخُلَاصَةٍ أُخْرَى فِي الْمَوْضُوعِ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَوْضَحَ وَأَظْهَرَ مِمَّا سَبَقَ، وَأَدُلَّ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ تَحْدِيدُ الْحَقَائِقِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، مِمَّا كَانَ مَجْهُولًا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، كَمَا وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَاتٍ مِنْهُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَسِيحِ نَفْسِهِ وَفِي مَعْنَى اسْمِ اللهِ وَكَلِمَتِهِ، وَرُوحِهِ أَوْ رُوحِ الْقُدُسِ فَنَقُولُ: قَالَ جُورْجْ بُوسْتْ فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: (اللهُ) اسْمُ خَالِقِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَالْحَاكِمِ الْأَعْظَمِ عَلَى جَمِيعِ الْعَوَالِمِ، وَالْمُعْطِي كُلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَسَنَةِ، وَاللهُ " رُوحٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ، أَزَلِيٌّ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فِي وُجُودِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَدَاسَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَجَوْدَتِهِ وَحَقِّهِ " وَهُوَ يَظْهَرُ لَنَا بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي أَعْمَالِهِ وَتَدْبِيرِ عِنَايَتِهِ (رو ١: ٢٠) وَلَا سِيَّمَا فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ حَيْثُ يَتَجَلَّى غَايَةَ التَّجَلِّي فِي شَخْصِيَّتِهِ وَأَعْمَالِ ابْنِهِ الْوَحِيدِ الْمُخْلِصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (ثُمَّ قَالَ) : (طَبِيعَةُ اللهِ) عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ مُتَسَاوِيَةِ الْجَوْهَرِ (مت ٢٨: ١٩ و٢ كو ١٣: ١٤) اللهُ الْآبُ، وَاللهُ الِابْنُ، وَاللهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، فَإِلَى الْآبِ يَنْتَمِي الْخَلْقُ بِوَاسِطَةِ الِابْنِ (مز ٣٣: ٦ وكو ١: ١٦ وعب ٢٠١) وَإِلَى الِابْنِ الْفِدَى، وَإِلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ التَّطْهِيرُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَانِيمَ تَتَقَاسَمُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ. أَمَّا مَسْأَلَةُ التَّثْلِيثِ فَغَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ كَمَا هِيَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي تك ص١ حَيْثُ ذَكَرَ " اللهَ " " وَرُوحَ اللهِ " (قَابِلْ مز ٣٣: ٦ وَيو ١: ١ و٣) وَالْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ الْمُشَخِّصَةُ أَمْ ص٨ تُقَابِلُ الْكَلِمَةِ " (فِي يو ص ١)

<<  <  ج: ص:  >  >>