للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرُبَّمَا تُشِيرُ إِلَى الْأُقْنُومِ الثَّانِي، وَتُطْلَقُ نُعُوتُ الْقَدِيرِ عَلَى كُلِّ أُقْنُومٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ عَلَى حِدَتِهِ. (ثُمَّ قَالَ) :

(وَحِدَةُ اللهِ) ظَاهِرَةٌ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَالتَّثْلِيثُ بَيِّنٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ خَفِيٌّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَالدَّاعِي الْأَعْظَمُ لِهَذَا الْأَمْرِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارٌ لِخَطَأِ الشِّرْكِ بِاللهِ وَمَنْعِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الَّتِي كَانَتْ كَثِيرَةَ الشُّيُوعِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُولَى قَدِيمًا فَفِي تث ٦: ٤ يُدْعَى اللهُ " رَبًّا وَاحِدًا " وَكَانَ يُدْعَى الْإِلَهُ الْحَيُّ " تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ آلِهَةِ الْوَثَنِيِّينَ الْكَاذِبَةِ، وَالِاعْتِقَادُ بِأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ بَيِّنٌ جِدًّا فِي دِيَانَةِ الْيَهُودِ (ثُمَّ قَالَ) : (ابْنُ اللهِ) - د ٣١: ٢٥ ابْنُ الْآلِهَةِ - لَقَبٌ مِنْ أَلْقَابِ الْفَادِي وَلَا يُطْلَقُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ سِوَاهُ إِلَّا حَيْثُ يُسْتَفَادُ مِنَ الْقَرِينَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُلَقَّبِ غَيْرُ ابْنِ اللهِ الْحَقِيقِيِّ، وَقَدْ تَسَمَّتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي اللهِ (أي ٣٨: ٧) وَأُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى آدَمَ (لو ٣: ٣٨) إِذْ أَنَّهُ هُوَ الشَّخْصُ الْأَوَّلُ الْمَخْلُوقُ مِنَ الْبَارِي رَأْسًا. وَقَدْ تَسَمَّى الْمُؤْمِنُونَ أَبْنَاءَ اللهِ (رو ٨: ١٤ و٢ كو ٦: ١٨) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَعْضَاءٌ فِي عَائِلَةِ اللهِ الرُّوحِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهَذَا اللَّقَبِ الْمَسِيحُ فَيُذْكَرُ مَعَ التَّفْخِيمِ وَالْعَظْمَةِ حَتَّى إِنَّ الْقَارِئَ يَعْرِفُ الْقَصْدَ بِكُلِّ سُهُولَةٍ.

وَهَذَا اللَّقَبُ يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ " ابْنُ الْإِنْسَانِ " يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالْمَسِيحُ هُوَ ابْنُ اللهِ الْأَزَلِيُّ وَالِابْنُ الْوَحِيدُ (قَابِلْ يو ١: ١٨ و٥: ١٩ - ٢٦ و٩: ٣٥: ٣٨ ومت ١١: ٢٧ و١٦: ١٦ و٢١: ٣٧ وَآيَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ فِي الرَّسَائِلِ) وَمَعَ أَنَّ الْمَسِيحَ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نَدْعُوَ اللهَ " أَبَانَا " فَهُوَ لَا يَدْعُوهُ كَذَلِكَ، إِنَّمَا يَدْعُوْهُ " أَبِي " وَذَلِكَ إِيمَاءٌ لِمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأُلْفَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْعِلَاقَةِ الشَّدِيدَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَهُمَا مِمَّا تَفُوقُ عَلَاقَتُهُ كُلَّ عِلَاقَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّنَا نَحْنُ أَوْلَادُهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْبُنُوَّةِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ رَبِّنَا، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْبُنُوَّةِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهَا بِوَاسِطَةِ التَّبَنِّي وَالتَّجْدِيدِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.

أَقُولُ: إِنَّ مَا لَخَّصَهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَامُوسِ مِنْ عَقِيدَةِ النَّصَارَى، هُوَ أَوْضَحُ مَا تُعْرَفُ بِهِ هَذِهِ الْعَقِيدَةُ بِالِاخْتِصَارِ الْمُتَوَخَّى فِي هَذَا الْقَامُوسِ، عَلَى غُمُوضِهِ وَضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِمْ قَلَّمَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ لِمَا فِي عِبَارَاتِهَا مِنَ التَّعْقِيدِ

اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فِي مَوْضُوعٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فِي نَفْسِهِ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ مُؤَاخَذَاتٌ كَثِيرَةٌ نَذْكُرُ أَهَمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِنَا هُنَا مِنْهَا، وَلِذَلِكَ نَغُضُّ الطَّرْفَ عَمَّا قَالَهُ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ ; لِأَنَّنَا نَقَلْنَاهُ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ فَنَقُولُ: (١) مَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَمَّاهُ " طَبِيعَةَ اللهِ " لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْمِ الْكَرِيمِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَلَا مِمَّا جَاءَ عَنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>